كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

42…جمال الدين ودعا له، فسألناه عن سبب ذلك، فقال: يجب على كل مسلم بالمدينة أن يدعو َ له، لأننا كُنّا في ضُرّ وضيق ونكد عيش مع العرب، لا يتركون لأحدنا ما يواريه ويُشبع جوعته، فبنى علينا سوراً احتمينا به ممن يريدنا بسوء [وفاء الوفا 768].
فانظر إلى قوله " مع العرب " وهذا يوحى أنه ليس في المدينة عَرَب ٌ في ذلك الوقت.
وظل الأمر على هذه الحال حتى أواخر العصر التركي ... وكان عُمَر رضي الله عنه لا يأذن لدخول رجال العجم إلى المدينة ويسمح لصغارهم.
لما روى ابن شبّة عن الزهري. قال: كان عُمَرُ لا يأذنُ لسبي بَقُلَ وجهُه في دخول المدينة (أي ظهرت لحيته) [887/ 3].
وفي رواية ابن سعد " كان عُمَرُ لا يأذنُ لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاماً صنعاً، ويستأذنه أن يُدخله المدينة، ويقول: إنّ عنده أعمالاً كثيرة فيها منافع للناس إنه حدّاد، نَقَّاش، نجّار .. " [345/ 3].
ولعلَّ الحكمة في ذلك أن الطفل الصغير إذا دخل بلاد العرب، فإنه يستعرب ويسهل عليه تقويم لسانه بالعربية، أما الكبير فإنه يبقى على عجمته وقد يؤثِّر في الحياة الاجتماعية بنقُل لغته، وعادة أهله، وبذلك يستعجم المجتمع العربي.
وعُمرُ كان يريد أن يبقى العرب على عربيتهم مع إسلامهم، وشهر عنه الدعوة إلى تعلّم العربية، لأن العربية لغة الإسلام، ولعلَّ هذا من حكمته في دعوته إلى تمصير الكوفة والبصيرة ليسكنها العربُ، ويبقوا على عربيتهم وقد تحقق من وراء ذلك خير كثير، حيث كانت المدينتان موئلاً للعرب، فأنتجتا علماً وفقهاً، ولغةً، ونحواً، كان الأساس فيما وصلنا من التصانيف.
ولعلّ َ في وصية عمر الخليفة بعده، بالأعراب وقوله: "إنهم أصل العرب ومادة الإسلام " شيئاً من هذا المعنى، وذلك لحرصه أن يعيشوا في باديتهم آمنين على رزقهم، لئلا ينزلوا…

الصفحة 42