كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

44…من العقيق الذي أقطعه إيّاه رسول الله، ولو ملكه لم يجز استرجاعه .. ولكن المُقْطَع يصير أحقَّ به من سائر الناس وأولى بإحيائه، فإن أحياه، وإلا قال له السلطان: إن أحييتَه، وإلا، فارفع يدك عنه كما قال عمرُ لبلال بن الحارث المزني: إنَّ رسول الله لم يقطعك لتحتجنه دون الناس، وإنما أقطعك لتعمرّ، فخذ منها ما قدرت على عمارته ورُدَّ الباقي ".
لأن مسألة إحياء الأرض، وتوزيعها بين المسلمين، كانت تشغلُ عمر بن الخطاب لكثرة الناس في عهده بالمدينة، حيث وفدت إليها جموع المسلمين فأصبحت عاصمة كبرى، تنطلق منها جيوشُ الفتح، ويقدم إليها مَنْ لم يَحْظَ برؤية رسول الله، لالتقاء الصحابة، وأخذ العلم عنهم، ولذلك كثر الناسُ في المدينة، ولم تَعُدْ تسع لهم بخيرها المعروف في أول الهجرة ... وقد اتسعت المدينة فيما بَعْد، ووصلت في النصف الثاني من القرن الأول إلى أقصى اتساع لها، حتى صارت مساحتها لا تقل عن خمسة عشر كيلاً من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، مثل هذا الاتساع.
وقد كتبنا حثاً وافياً عن "وادي العقيق" أثبتناه في الباب الأول، فارجع إليه إن أردت المزيد.
7 - جَعْلُ المدينة دَارَ الفِقْه والفَتْوى في القرنين الأول والثاني: كانت المدينة مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها نزل الشرع الإسلامي، وأنشئت الحكومة الإسلامية التي كان أساس الحكم منها، حكم الله .. فالشرائع الدينية ـ ما عدا العقيدة والصلوات ـ كلها نزل بالمدينة، وبها سنةُ رسول الله في القضاء بحكم القرآن .. فلما انتقل النبيُّ ص إلى الرفيق الأعلى، كانت المدينة، عاصمة الدولة الإسلامية، وموطن الخلافة، وفيها تفتق عَقْلُ الصحابة، في استخراج أحكام إسلامية تصلح لما جدَّ من شؤون في المجتمعات الإسلامية، بعد الفتوح التي كثرت، واتسعت بها رُقعة الإسلام .. …

الصفحة 44