كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

45…فللمدينة النبوية، إذن، الحقُّ في أن تحتل المكانة المرموقة بين سائر الأمصار لما ذكرنا سابقاً، ولأن المجتمع الذي عاش فيه رسول الله، وتربى فيه على يديه النواة الأولى لخير أمةٍ أُخرجت للناس، لهو مجتمع لا يدانيه أي مجتمع آخر .. وكان لوجود عمر على رأس الخلافة في المدينة ـ مدة عشر سنوات ـ ولخصائصه الذاتية، وسياسته في الحكم، أثر كبير في جعل المدينة المدرسة الأولى للحديث، والفقه والتشريع في القرنين الأول والثاني .. وذلك لما يأتي:
(أ) إِنَّ المدينة كانت في عهد عمر مجمع الصحابة، وخصوصاً ذوي السبق منهم في الإسلام، استبقاهم عمر حوله، حرصاً عليهم، ورغبة في أن يكونوا عوناً له في سياسة الأمة، واستعانة بعلمهم، واعتماداً على إخلاصهم، واسترشاداً بآرائهم ومشورتهم , وقد بقى عِلْمُ هؤلاء الصحابة بالمدينة فبلغ فقهاء الصحابة المفتون، 130 مائة وثلاثين صحابياً وكان المكثرون منهم سبعة: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وعائشة وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر. قال أبو محمد بن حزم: ويُمكن أن يُجمع من فتوى كل واحد منهم سفْر ُ ضخم.
والمتوسطون من الصحابة فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر، لقصر المدة التي عاشها بعد رسول الله.
وأم سلمة، وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد بن أبي وقاص.
وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل، وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حصين، وعبادة بن الصامت .. قالوا: ويمكن أن يُجمع من فتيا كل واحد منهم جزءٌ صغيرة ...
وجلُّ مَنْ ذكرتهم، بقي في المدينة في عهد عمر بن الخطاب، إلا معاذ بن جبل، فإنه خرج في عهد أبي بكر إلى الشام، وتوفي في طاعون عمواس، .. وانتقل أبو موسى الأشعري إلى العراق بعد فتحها.

الصفحة 45