كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

47…
التابعين .. ويأتي تعاقب مركزية الفقه في المدينة كالتالي:
أولاً: المدينة مهبط الوحي، والتشريع، ولا تنازعها بلد في العصر النبوي.
ثانياً: في عهد الخلفاء الراشدين، كانت المدينة مركز فقهاء الصحابة، وعلى رأسهم عمر.
ثالثاً: قُتل عثمان سنة 35 هـ، وانتقل عليٌّ إلى الكوفة، ومع ذلك بقيت المدينة مركز أهل العلم والفتوى: بسبب امتداد عمر الصحابة الفقهاء، في المدينة، حتى عمروا أكثر النصف الثاني من القرب الأول: وهم: عائشة، وأبو هريرة وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
رابعاً: نشأت مدرسة كبار التابعين في المدينة، وكان منهم الفقهاء السبعة، الذين لم يوجد لهم نظير في الأقطار الإسلامية.
خامساً: وجاءَت الطبقة الثانية من التابعين (صغار التابعين) وعاشوا حتى أواخر المنتصف الأول من القرن الثاني: أذكر منهم ابن شهاب الزهري، ونافع مولى ابن عمر، وأبا الزناد عبد الله بن ذكوان وربيعة الرأي، وزيد بن أسلم، ويحي بن سعيد الأنصاري، توفي سنة 143 هـ.
سادساً: ثم جاء عصر الإمام مالك، وهو من تابعي التابعين، فكان من أعلم الناس بعلم مَنْ سبقه من التابعين: كبارهم وصغارهم ..
.. ويشهد لعلم أهل المدينة، احتياج أهل الأمصار إلى علم الحجاز، ورحلتهم إليه في طلبه، بما لم يُعرف للأمصار الأخرى، فقد رحل علماءُ الأمصار الإسلامية إلى المدينة في طلب الحديث، ولم يحصل العكس، فليس هناك تابعي أو تابع له، من الأمصار الأخرى، لم يعرف الأخذ من علم الحجاز، وعرض ما لديه على علمائها، فكانوا المرجع في هذا الشأن. وقد ذهب علماءُ المدينة إلى الأمصار قضاةً ومعلمين، مثل هشام بن عروة ومحمد بن إسحق، ويحي بن سعيد الأنصاري، وربيعة الرأي، وعبد العزيز بن الماجشون وغيرهم.

الصفحة 47