كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

48…
ويستعين بهم غيرهم، فيطلبون مشورتهم، فقد كتب ابن الزبير، وعبد الملك بن مروان إلى ابن عمر، كلاهما يدعوه إلى المشورة، كما كانوا يطلبون ما عُرف بها من السنن، فمعاوية بن أبي سفيان يسأل زيداً عن مسائل من الميراث، وعمر بن عبد العزيز يكتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم في جمع السنن المعروفة بالمدينة، وأبو جعفر المنصور يرى أنَّ المدينة هي المرجع في السنن، وكذلك المهدي والرشيد [صحة أصول أهل المدينة، لابن تيميّة].
وكانت ثقة أهل الأمصار في علم أهل المدينة، تجعلهم يقدمونه على كل علم لما روى صاحب تاريخ بغداد [173/ 2]: " أن محمد بن الحسن الشيباني كان إذا حدثهم عن مالك، امتلأ عليه منزله، وإذا حدثهم عن غير مالك لم يجبه إلا القليل من الناس، فقال: ما أعلم أحداً أسوأ ثناءً على أصحابه منكم؛ إذا حدثتكم عن مالك ملأتم عليَّ المواضع، وإذا حدثتكم عن أصحابكم إنَّما تأتون متكارهين ".
ويتفاضل غيرُ أهل المدينة بقدر ما يأخذونه من علم أهل المدينة ويرون في علم أهل المدينة معياراً للتفوق، فيقول مجاهد، وعمرو بن دينار وغيرهم من أهل مكة: لم يزل شأننا متشابها ً متناظراً حتى خرج عطاء بن أبي رباح إلى المدينة، فلما رجع إلينا استبان فضلُه علينا [المدارك 41/ 1].
8 - من أسباب الثروة الفقهية التي حظيت بها المدينة أيام عمر بن الخطاب: شخصية عمر بن الخطاب الملهمة: وقد شهد رسول الله لعمر بذلك، لما رآه موفقاً في آرائه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس، محدَّثون " اسم مفعول " فإن يك في أمتي أحدٌ فإنه عمر ".
وفي رواية أخرى " لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فعمر " [مناقب عمر كتاب 62 - باب 6]. وذكر معاني كثيرة لـ "محدَّث" و "مكلّم" وكلها تدور حول…

الصفحة 48