كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

49…
الإلهام. فقال أكثر المفسرين: هو المُلْهم. وقالوا: هو الرجل الصادق الظنْ، وهو مَنْ أُلقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدّثه غيره به. وقيل: هو مَنْ يجري الصواب على لسانه من غير قصْد. وقيل: هو الذي تكلمه الملائكة من غير نبوّة. وقيل: هي الإصابة بغير نبوّة. ويؤيده حديث "إنَّ الله جعل الحقّ َ على لسان عمر وقلبه ".
والخلاصة أنَّ عمر بن الخطاب كان ذكيّاً، عبقرياً ألمعيّاً، يُعْمل عقله في المسألة فيأتي لها بالحل الصحيح، وكأنه أُتي العلم بكل أمر يعرض له، لا لأنه اكتسب علماً أكثر من غيره، ولكنه علمٌ دقيق ناتج عن تفكير في جزئيات المسائل، يؤدي به إلى حساب العواقب.
ولعلّ هذا الذي قصده رسول الله عندما قال: "بينا أنا نائم شربتُ ـ يعني اللبن ـ حتى أنظر إلى الرّيّ يجري في أظافري، ثم ناولتُ عمر.
قالوا: فما أوّلته يا رسول الله، قال: العلم ". [البخاري / مناقب عمر].
ويؤيد قول النبيّ ص: "أُريتُ في المنام أني أنزعُ بدَلْوٍ بكرةٍ على قليب.
فجاء أبو بكر، فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً، واللَّهُ يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرْباً، فلم أرَ عبقرياً (1) يفري فريّه، حتى روي الناسُ، وضربوا بعَطَن ".
قال ابن حجر في [الفتح 46/ 7]: " والمراد بالعلم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم العلم بسياسة الناس، بكتاب الله وسنة رسول الله، واختص عمر بذلك لطول مدّته بالنسبة إلى أبي بكر، وبالتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان، فإن مدة…
__________
(1) العبقري: النافذ الماضي الذي لا شيء يفوقه. وعبقري القوم سيدهم وقيمهم وكبيرهم. وقال الفراء: العبقري: السيد، والفاخر من الحيوان والجوهر والبساط المنقوش وقيل: منسوب إلى عبقر، موضع بالبادية. وقيل نسبة إلى أرض تسكنها الجنّ، تضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم. فصاروا كلما رأواشيئاً غريبا ً مما يصعب عمله نسبوه إلى عبقر، فقالوا: عبقري، ثم اتسع حتى سمي به السيد الكبير.

الصفحة 49