كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

50…
أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي من أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمرُ فيها، مع طول مدته، الناس بحيث لم يخالفْه أحد، ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان، فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له، فنشأت من ثمَّ الفتنُ، إلى أن أفضى الأمر إلى قتله، واستخلف عليّ فما ازداد الأمر إلا اختلافاً والفتن إلا انتشاراً ".
وقال ابن حجر أيضاً في سبب وصف عمر بأنه مُحدَّث، أي، ملهم " لكثرة ما وقع له في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآنُ مطابقاً لها، ووقع له بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم عدة إصابات ".
9 - وموافقات عمر: جاءَت بها الأخبار الصحيحة، فقد روى البخاري عن عمر قال: وافقتُ ربي في ثلاث: فقلتُ يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مُصلَّى، فنزلت: (واتخذوا من مقام إبراهيم مُصلّى) وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءَك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البرُّ والفاجر فنزلت آية الحجاب: واجتمع نساءُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلتُ لهنَّ: عسى ربُّه إن طلقكنَّ أن يبدّله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية [البخاري ـ كتاب الصلاة حديث 402].
قال ابن حجر: قوله: " وافقت ربي في ثلاث" أي: ثلاث وقائع، والمعنى وافقني ربّي، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه، أو أشار به إلى حدوث رأيه وقدم الحكم.
قال: وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه، من مشهورها قصة أسارى بدْر، وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح، وَصَحَّحَ الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال: "ما نزل بالناس أمرٌ قطُّ فقالوا فيه، وقال فيه عمر، إلا نزل القرآنُ فيه على نحو ما قال عمر"، وهذا دال على كثرة موافقته، قال: وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر. [الفتح 505/ 1].

الصفحة 50