كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

52…
وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء: منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دُكين في تاريخه، ومن طريقه الحاكم، من طريق الشعبي: أنَّ أبا موسى كتب إلى عمر، إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عُمَرُ الناس فقال بعضهم: أرّخ بالمبعث، وقال بعضهم: أرّخ بالهجرة فقال عمر: الهجرة فرّقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها وذلك سنة سبع عشرة. فلما اتفقوا؛ قال بعضهم: ابدؤوا برمضان فقال عمر: بل بالمحرّم، فإنه منصرف الناس من حجّهم.
وروى البخاري في "الأدب" والحاكم من طريق ميمون بن مهران قال: رُفع لعمر صكٌّ محلّه شعبان، فقال: أيّ شعبان؟ الماضي، أو الذي نحن فيه أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفونه .. فذكر نحو ما سبق ... وهناك أقوال أُخرى، ولكن جلّ الأخبار تجمع على أنه كان في زمن عمر، وبأمر من عمر.
ونقل ابن حجر في [الفتح 63/ 7] عن أحمد بن حنبل أنَّ أول مَنْ أرخ التاريخ يعلى بن أميّة، أو ابن منيه، حيث كان باليمن ـ قال: "أخرجه أحمد بإسناد صحيح ولكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار، ويعْلى".
قلت: وكان يعلى أميراً على بعض اليمن في زمن عمر، فلعله كان أحد الأسباب التي جعلت عمر يضع التاريخ.
ولكن لماذا اختاروا شهر المحرم بداية السَّنة، مع أن الهجرة كانت في ربيع الأول؟ في ذلك أقوال:
الأول: أن المحرّم يأتي بعد شهر الحج، فكأنّ الحج خاتمة أعمال الناس في السّنة وجاء المحرم ليكون بداية العدّ لسنةٍ جديدة.
وقد جاء السبب في تعليل اختيار المحرم، في كلام عمر حيث قال: "بل بالمحرم، فإنه منصرف الناس من حجّهم". وقال عثمان: أرخوا المحرّم، فإنه شهر حرام وهو أول السنة ومنصرف الناس من الحج، أقول: وفيه يرجع الحاج كيوم ولدته أمُّه.

الصفحة 52