كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

53…
الثاني: ما نقله ابن حجر، قال: وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة مولده، ومبعثه، وهجرته ووفاته، فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة.
وأما وقت الوفاة: فأعرضوا عنه، لما توقع بذكره من الأسف عليه فانحصر في الهجرة.
وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم، لأنَّ ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة، المحرم، فناسب أن يجعل متبدأ.
قال ابن حجر: وهذا أقوى ما وقعتُ عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم. [الفتح 268/ 7].
وقد كتب عباس محمود العقاد في كتاب " عبقرية محمد " كلاماً جيداً في تعليل اختيار يوم الهجرة، بداية التاريخ، فأقتبس بعض ما قاله، رحمه الله: " لم كان يومُ الهجرة ابتداء التاريخ في الإسلام، ولم يكن يوم الدعوة؟ ولم لمْ يكن يوم بَدْر، أو ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم أو يوم حجّة الوداع، يوم ابتداء التاريخ؟ كلُّ يوم من هذه الأيام كان في ظاهر الرأي وعاجل النظر أولى بالتأريخ والتمجيد من يوم الهجرة، من يوم الفرار بالنفس والعقيدة في جُنْح الظلام.
فالرجل الذي اختار يوم الهجرة بدءاً لتاريخ الإسلام، قد كان أحكام وأعْلَمَ بالعقيدة والإيمان ومواقف الخلود من كلِّ مؤرخ وكلَّ مفكر يرى غير ما رآه لأنَّ العقائد إنما تُقاس بالشدائد، ولا تُقاس بالفوز والغلب .. كل إنسان يؤمن حين يتغلب الدين، وتفوز الدّعْوة، أما النفسُ التي تعتقدُ حقّاً، ويتجلى فيها انتصار العقيدة حقّاً، فهي النفس التي تؤمن في الشدة، وتعتقد ومن حولها صنوف البلاء.
وليس يومٌ أحق بالتأريخ إذن، من اليوم الذي هجر فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم بَلَده "إذْ…

الصفحة 53