كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

57…
فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حَرَجاً مما قضيت ويسلّموا تسليما) [النساء 65].
يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحدٌ حتى يحكّم الرسول في الأمور جميعها، فما حكم به فهو الحقُّ الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً.
وروى البخاري في سبب نزول هذه الآية، قال: "خاصم الزُّبيرُ رجلاً في شِراج ـ جداول مياه صغير ـ الحرّة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم "اسق يا زبيرُ، ثم أرسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاري: أنْ كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجه رسول الله ثم قال: " اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك".
فاستوعى النبيُّ ص للزبير حقّه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاريُّ وكان أشار عليهما النبيُّ ص بأمر لهما فيه سعة.
قال الزبير: فما أحسبُ هده الآية إلا نزلت في ذلك [عن تفسير ابن كثير سورة النساء].
وروى أبو داود السجستاني في " المراسيل " عن الزهري: قال: "ما اتخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاضياُ حتى مات " (1) [ص 284].
وأما الأخبار التي نقلت أن رسول الله اتخذ قاضياً في المدينة، فبعضها مٌؤوّل مع كونها لا تصل إلى درجة الصحيح.
فقد روى الهيثمي في "مجمع الزوائد" عن عبد الله بن موهب أن عثمان بن عفّان قال لابن عمر: "اذهب فاقض بين الناس، قال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين قال عثمان: وما يمنعك وقد كان أبوك يقضي .. ".
قال الكتاني في " التراتيب " ساقة الشامي في سيرته في باب "قضاته - صلى الله عليه وسلم - "…
__________
(1) قال مُحّققة: ورواته من رجال البخاري، والشيخين، وهو في المصنف لعبد الرزاق (15299) وروى هذا الأثر وكيع بن خلف في أخبار القضاة [105/ 1] من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري.

الصفحة 57