كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

58…
عازياً له، أحمد، وأبي يعلى وابن حبان. ورواه أيضاً الترمذي قال ابن العربي في "العارضة" قول عثمان لعبد الله: إن أباك كان قاضياً، يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولم يُرد به عثمان قضاءَة في خلافته، ولا فهم منه ابنُ عمر رضي الله عنه ذلك.
وفي "حاشية أخبار القضاة" لوكيع: "وفي الرياض النضرة" نقلاً عن أبي بكر الهاشمي، بعد سرُد القصة، ما نصّه "قال ابن عمر: لستُ كأبي ولست أنت كرسول الله، كان أبي إذا أشكل عليه القضاء، سأل النبيّ عليه السلام، وإذا أشكل على النبيّ، سأل جبريل .. فقال عثمان: ما أحبُّ أن تحدّث قضاتنا فتفْسدُهم علينا ".
ولعله يريد بقوله "ما أحبُّ أن تحدّث .. " أي: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ كان قاضياً فقضى بالجور كان من أهل النار، ومَنْ كان قاضياً فقضى بجهلٍ كان من أهل النار، ومَنْ كان قاضياً عالماً، فقضى بعدلٍ، فبالحري أن ينفلت كفافاً".
ولكن جاء في "علل الحيث" لابن أبي حاتم، سألت أبي عن حديث رواه معتمر بن سليمان عن عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن موهب أن عثمان بن عفان قال لابن عمر، اذهب فاقض بين الناس .. الحديث.
فقال أبي: عبد الملك بن أبي جميلة مجهول، وعبد الله، هو عبد الله بن موهب الرملي.
وإذا صح حديث ابن عمر السابق، فإنه يؤول، بأن عمر بن الخطاب كان من الصحابة الفقهاء الذين إذا سئلوا في أماكن وجودهم، وكان رسول الله غير حاضر، أجابوا السائل عن المسألة، وكأنَّ فتيا الناس فيما يعرض لهم من المسائل التي لم يسمعوا جوابها من رسول الله، تُعدُّ بمنزلة القضاء.
ومما يدلُّ على أن الفتوى , والقضاء، يتقاربان في الدلالة، ما روي أن أصحاب القضاء على عهد رسول الله ستٌ، وذكروا عمر، وعلياً وعبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري. ويُذكر هؤلاء الصحابة أيضاً، أنهم كانوا يُفْتُون على عهد رسول الله. فإمّا أن تكون "يقضون" محرفة من "يفتون" وإما أن يكون القضاء والفتوى مترادفين في الدلالة.

الصفحة 58