كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

59…
ولم يثبت يسندٍ صحيح أن رسول الله اتخذ قاضياً في المدينة بحضرته والمشهور أنه عليه السلام أرسل معاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري، وعليَّ بن أبي طالب، قضاةً على اليمن، أو على أجزاء متفرقة من اليمن. [انظر: طبقات ابن سعد 334/ 2 ـ 351].
وأما ما رواه الإمام أحمد عن عمرو بن العاص قال: جاء رسول الله خصمان يختصمان فقال رسول الله: اقض بينهما يا عمرو، فقال: أنت أولى بذلك مني يا رسول الله قال: وإن كان، .. الحديث [205/ 4].
فهذا لا يدل على أن رسول الله اتخذ عمرو بن العاص قاضياً، فهو إنْ صح، فإنَّه يُعدُّ من باب التعليم والتدريب والاختبار لأصحابه ص، مع أن عمرو بن العاص، لا يُعدُّ من أهل الفتوى في العهد النبويّ، ولم يكن معدوداً من فقهاء الصحابة.
ومع ذلك، فإننا نأخذ من مدلولات الأحاديث التي جاءت في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن المسلمين ـ في المدينة ـ بعامة كانوا ملتزمين بما وصل إليهم من التشريع، وكان كلُّ واحدٍ منهم مفتياً وقاضياً وما يطرأ من القضايا، إنما كانت في الأمور التي لم ينزل بها وحي، ولم يقض فيها رسول الله، حيث كان الانتقال من السلوك الجاهلي، إلى السلوك الإسلامي، تدريجيّاً، وحسب ما يقع من الأحداث .. وهكذا كان المسلمون يحفظون ما نزل من التشريع ويطبقون التشريع في حايتهم .. يدل على ذلك ما رُوي من صحيح الأخبار، منها: روى البخاري؛ عن أبي هريرة "أُتي النبيُّ برجلٍ قد شرب، قال: اضربوه" فقال "أُتي" بصيغة المبني للمجهول.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رجلاً من أَسْلم، أتى رسول الله فحدّثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله فرُجم وكان قد أُحْصِنَ. [كتاب الحدود، باب 21].والرجل، هو ماعز بن مالك الأسلمي.
وروى البخاري في كتاب الحدود، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد، أنَّ…

الصفحة 59