كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

60…رجلاً من الأعراب جاءَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فقال: يا رسول الله، اقض بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صَدَق، اقض له يا رسول الله، بكتاب الله، إنَّ ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته , فأخبروني أنَّ على ابني الرجم، فافتديت بمائةٍ من الغنم ووليدة، ثم سألتُ أهل العلم، فزعموا أنَّ ما على ابني جَلْدُ مائةٍ وتغريب عام .. الحدبث [باب 34 من كتاب الحدود] ... والخلاصة: أنه لم يصحَّ أن رسول الله وظّف رجلاً من أصحابه للقضاء، أو فرّغه أو أفرده لذلك، إلا أن يبعث رسولُ الله أحد أصحابه في مهمة قضائية في ناحية من نواحي المدينة، بعيداً عن منزل رسول الله، فالقضاءُ والفتوى كان إلى رسول اللهِ في المدينة، وفي حضرته، وأما في الأقاليم فكان له قضاة.
(ب) أما في زمن أبي بكر: رضي الله عنه: ففيها روايتان: الأولى: مرسل الزهري "ما اتخذ رسول الله قاضياً حتى مات، ولا أبو بكر ولا عُمر .. " [المراسيل 284] ... ويؤيده، ما رواه الذهبي في [تذكرة الحفاظ 2/ 1]: "أن الجدَّة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن توّرث، فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما علمتُ أنَّ رسول الله ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس، فقام المغيرة بن شعبة فقال: حضرتُ رسول الله يعطيها السدس ".
ولو كان لأبي بكر قاض، لذهبت إليه.
وروى ابن سعد في [الطبقات 350/ 2] أن أبا بكر الصديق كان إذا نزل به أمرٌ يريد فيه مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه، ودعا رجالاً من المهاجرين والأنصار دعا عمرَ وعثمان وعلياً .. الخ وكل هؤلاء كان يُفْتي في خلافة أبي بكر.
وفي الخبر دليل على أنه كان يتولى أمور الناس في المدينة بنفسه ويستشير أصحاب رسول الله .. وليست المشورة محصورة في القضايا السياسية والحربية الكبرى، ولكنها تشمل قضايا الناس الاجتماعية لأن بعض مَنْ ذُكر من أهل الشورى، يشبه أن يكون مختصاً بالفقه والقرآن مثل معاذ بن جبل وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت.

الصفحة 60