كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

63…ويمكن تأويل الخبر " أن عمر استعمل زيد بن ثابت على القضاء، وفرض له رزقاً" ـ إنْ صح هذا الخبر ـ أن عمر بن الخطاب كان كثيراً ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شيء من الأسفار، وكان إذا رَجَع من سفره، يعطي زيداً شيئاً من المال [أخبار القضاة، لوكيع 108/ 1] والاستخلاف على الإمارة، يشمل ما كان يعمله أمير المؤمنين، ومن وظائف أمير المؤمنين القضاء بين الناس.
وربما استخلف عُمَرُ أحد الصحابة على ناحية من نواحي الإمارة، واستخلف زيد بن ثابت على القضاء أثناء غيابه.
وتوزّع الأعمال في الإقليم مشهور منذ الزمن النبوي، حيث كان رسول الله أحد الصحابة على الصدقات، ويرسل الآخر على الإمامة والقضاء، (انظر قصة بَعْث عليّ، ومعاذ، وأبي موسى، وغيرهم إلى اليمن).
ومما يعكّر على قصة استعمال زيد على القضاء زمن عمر، قصة الخصومة بين أُبي بن كعب، وعمر بن الخطاب.
فقد روى وكيع في أخبار القضاة [108/ 1] وابن عساكر في تاريخ دمشق [450/ 5] والبيهقي، ويعلى بن منصور في سننه، عن الشعبي قالوا: كان بين عُمر وأُبيّ بن كعب خصومةٌ، فجعلا بينهما زيد بن ثابت، فأتياه وقال له عمر: في بيته يؤتى الحكم.
وقالت رواية أخرى: "فجعلا بينهما زيد بن ثابت.
فأتيا في منزله.
فلما دخلا عليه قال له عمر: جئناك لتقضي بيننا وفي بيته يُؤتى الحكم ... ".
وفي رواية ابن عساكر، قال عمر: "اجعل بيني وبينك رجلاً من المسلمين، فقال: اجعلْ زيداً، فقال: رضيتُ، فانطلقا حتى دخلا على زيد، فلما رأى زيدٌ عُمَرَ تنحى له عن فراشه، فقال له عمر: في بيته يُؤْتى الحكم، فعرف زيد أنهما جاءا يتحاكمان إليه .. ".
ونستفيد من القصة ما يأتي: أولاً: أنهما اختارا زيد بن ثابت حكماً في هذه القصة، ولو كان زيدٌ قاضياً متعيناً، لم يتشاور في اختيار الحكم.

الصفحة 63