كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

64…ثانياً: قول عمر "اجعل بيني وبينك رجلاً من المسلمين" يدل على أن زيداً لم يكن قاضياً مُعيّناً، وإنما اختاره لقدرته على الفصل في الخصومات، وكان يمكن أن يختارا غير زيد، ولو كان زيد قاضياً، لتوجها إليه دون اختيار منها.
ثالثاً: تقول روايةٌ إن زيداً تنحّى لِعُمَرَ عن صدر فراشه، فقال له عمر: هذا أول جَوْرك، لأنه فضّله على خصمه، فلما فرغا قال عمر: والله لا يدرك زيدٌ القضاء حتى يكون عُمَرُ وَرَجُلٌ من عُرْض الناس أو المسلمين عنده سواء.
وقوله: " لا يدرك زيدٌ في القضاء " له تفسيرات، منها لا يدرك زيدٌ وظيفة القضاء.
ومنها: لا يصيب زيدٌ في القضاء.
رابعاً: قول الرواية " فأتياه في منزله .. " ولو كان قاضياَ، لعرضا عليه الخصومة في مجلس القضاء .. ولم يكن القاضي يجلس في بيته، وإنما كان يجلس للناس في المسجد، أو في رَحَبّةِ المسجِد: لأن البخاري بوّب في كتاب "الأحكام" باب "مَنْ قضى ولا عن في المسجد، ولاعن عُمرُ عند منبر النبي ص ... وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمن عند المنبر .. " ونقل ابن حجر في [الفتح 155/ 13] عن أبي الزناد قال: "كان سعد بن إبراهيم، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابنه، ومحمد بن صفوان، ومحمد بن مصعب بن شرحبيل، يقضون في مسجد رسول الله " وذكر ذلك جماعةٌ آخرون , وقال ابن بطال: استحبّ القضاء في المسجد طائفة، وقال مالك: هو الأمر القديم لأنه يصل إلى القاضي فيه المرأة والضعيف، وإذا كان في منزله لم يصل إليه الناس لإمكان الاحتجاب.
وروى البخاري عن سهل أخي بني ساعدة أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتلُه؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد ".
وبوّب البخاري " باب مَنْ حكم في المسجد، حتى إذا أتى على حدٍّ أمر أن يخرج من المسجد فيقام، وقال عمر: أخرجاه من المسجد، وضربه، ويُذكر عن…

الصفحة 64