كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

81…
شعبة قال: " وكتب إلى المغيرة بن شعبة أنْ يقضي بين الناس ".
ثانياً: كثرة الاختلاف في ألفاظ الروايات، مع أن الرسالة مرويّة من صحيفة مكتوبة، وفي زمن التدوين .. فإن سعيد بن أبي بردة الذي يزعم الرواة أنهم وجدوا الصحيفة عنده، توفي سنة 168 هـ، وفي هذا التاريخ كانت الكتابة منتشرة، والتدوين واسعاً ... ثالثاً: قوله: " واعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور بعضها ببعض ": فيه نظر، وبخاصة قوله " ثم قس الأمور ".
(أ) فالفعل " قاس " والمصدر " القياس " بالمعنى الاصطلاحي في كتب الفقه، يظهر أنه معنّى مولّد، ولم أجد له استعمالاً في كتب اللغة ومعاجمها (وانظر لسان العرب). مع أن الألفاظ الإسلامية التي جاءَت في القرآن والسنة وآثار الصحابة، ذكرها اللغويون في معاجمهم.
ويكفي أن تكون الكلمة من ألفاظ عمر بن الخطاب لتسجيل في المعاجم. ونقل ابن حجر في [الفتح 291/ 13] أن السلف كانوا يسمون السنة علماً ولما عداها رأي. ونقل عن عمر قوله: " اتقوا الرأي في دينكم " [ص 289].
(ب) والقياس هو الحكم فيما لا نصَّ فيه بمثل الحكم فيما فيه نصُّ أو إجماع، لاتفاقهما في علة الحكم أو لاتفاقهما في وجه الشبه.
قال ابن حزم: وقد صح عن كثير من الصحابة الفتيا بالرأي، ولم يأتِ عن أحد منهم القول بالقياس، إلا في الرسالة المنسوبة إلى عمر (وقد رأينا أنها لا تصحُّ سنداً) وما رُوي عن علي قال: " القياس لمن عرف الحلال والحرام شفاءُ العالم " قال ابن حزم: " وهذا موضوع.
وفي سنده محمد بن عبد الرحمن والأحنف بن شعيب، وهما مجهولان " [ملخص إبطال القياس ص 6].
أقول: والذين أيّدوا القياس، استنبطوه من النصوص تأويلاً، ولم يجدوه نصاً.

الصفحة 81