كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

82…
رابعاً: قوله: " فانظر أقربها إلى الله وأشبهها بالحقّ .. " أقول: وكيف يعرف الحاكم أيّ الأمرين أقرب إلى الله؟ وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن التبيّ ص أنه قال: " إذا حاصرتَ أهل حصنٍ فسألوك أن تنزل لهم على حكم الله، فلا تنزل لهم على حكم الله فإنك لا تدري ما حكمُ الله فيهم، ولكن أنزل لهم على حكمك وحكم أصحابك " [عن منهاج السنة 213/ 2].
وقال ابن تيمية: " والأمور الاجتهادية .. لا يحكم الأمير فيها بحكم الله لأنه لا يدري ما حكم الله فيها، وإنما يحكم برأيه واجتهاده ".
وأقدمُ نصّ يحتج به مَنْ يجوّز القياس حديث إرسال معاذ إلى اليمن، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " أجتهدُ رأيي ولا آلو " إن لم يجد ما يقضي به في كتاب الله وسنة رسوله.
قالوا: فضرب رسول الله صدر معاذٍ بيده وقال: " الحمد لله الذي وفّق رسولَ رسول الله لما يُرضي رسول الله ".
والحديث لا يصح له سندٌ متصل، فقد رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصّل. [تحفة الإشراف 422/ 8]. وله رواية إخرى عند ابن ماجه وفي سنده محمد بن سعيد بن حسان، وهو كما قال الحافظ المزي: متروك الحديث. [تحفة الأشراف 408/ 8].
وعندما ترجم ابن حجر للوليد بن معدان، وذكر أنه ساقط: قال: " انفرد بحديث عمر في كتابه إلى أبي موسى أن يجتهد رأيه " ومع أن عبارة " يجتهد رأيه " لا توجد في كتاب عمر، ولكنها تعني " القياس " هنا، وكأن ابن حجر خصَّ هذه الجملة بالذكر، لكونها لا توافق المعروف من فقه عمر بن الخطاب.
(جـ) لم يذكر العلماءُ من شروط القاضي أن يكون قيّاساً: نقل الإمام ابن حجر في [فتح الباري 146/ 13] عن أبي علي الكرابيسي صاحب الشافعي، صفات القاضي فقال: " لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافاً أن أحقَّ الناس أن يقضي بين المسلمين: مَنْ بان فضلُه وصدقُه وعلمُه وورعُه، قارئاً لكتاب اللَّهِ عالماً بأكثر أحكامه، عالماً بسنن رسول الله حافظاً لأكثرها وكذا أقوال الصحابة،…

الصفحة 82