كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

83…عالماً بالوفاق والخلاف، وأقوال فقهاء التابعين، يعرف الصحيح من السقيم، يتبع في النوازل القرآن، فإن لم يجد فالسنن فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة، فإن اختلفوا، فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ـ من أقوالهم ـ ثم بفتوى كبار الصحابة، عمل به، ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم، مع فضل وورع .. ".
ونقل البخاري [في كتاب الأحكام باب 16] أن عمر بن عبد العزيز قال: " خمسُ خصالٍ إذا أخطأ القاضي منهن خُطّةً، كانت فيه وصمة: أن يكون فهماً حليماً عفيفاً صليباً عالماً سئولاً عن العلم ".
وفي رواية: " لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضياً حتى يكون فيه خمس خصال: عفيف، حليمٌ، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الرأي، لا يُبالي بملامة الناس " قال ابن حجر: " وجاء في استحباب الاستشارة آثار جياد.
وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الشعبي قال: مَنْ سرّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير " [الفتح 149/ 13].
وروى محمد بن حيان (وكيع) في أخبار القضاة عن عمر بن قيس قال: كتب عمر بن عبد العزيو إلى عديّ بن أرطاة، " أما بّعْدُ: فإنَّ رأس القضاء اتباع ما في كتاب الله، ثم القضاء بسنة رسول الله، ثم حكم الأئمة الهداة ثم استشارة ذوي الرأي والعلم، وألا ثؤثر أحداً على أَحد، وأن تحكم بين الناس وأنت تَعْلَمُ ما تحكم به، ولا تقس، فإن القايس في الحكم بغير العلم، كالأعمى الذي يعشو في الطريق، ولا يُبْصرُ، فإنْ أصاب الطريق أصاب بغير علم، وإن أخطأه فقد نزل بمنزلة ذاك حين أتى بما لا عِلْمَ له، فهلك، وأهلك مَنْ معه، فما أتاك من أمرٍ تحكم فيه بين الناس، لا عِلْمَ لك به، فسلْ عنه مَنْ تَعْلَم، فإنَّ السائل عما لا يعلم مَنْ يعلمُ، أحدُ العالمين " [77/ 1].
وبقي الاعتماد على الآثار المرويّة في القضاء مذهب الأكثرين من أهل المدينة عامّة القرن الأول، وعقوداً من القرن الثاني، ولذلك، ينقل ابن حجر في " تهذيب التهذيب " عن ابن سعد، في ترجمة ربيعة بن فرّوخ (ربيعة الرأي) أنه…

الصفحة 83