كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

84…
توفي سنة 136 هـ بالمدينة، قال: " وكانوا يتقونه لموضع الرأي ". وكان ربيعة مشهوراً بإعمال العقل، أو الرأي، في الفقه، ويروي الإمام مالك عنه أنه قال: سألتُ سعيد بن المسيّب: كم في إصبع المرأة؟ فقال: عَشْرُ من الإبل، فقلتُ: كم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل فقلتُ: كم في ثلاثٍ؟ فقال: ثلاثون من الإبل، فقلتُ: كم في أربعٍ؟ قال: عشرون من الإبل، قال: فقلتُ: حين عظُمَ جُرْحُها، واشتدت مصيبتُها، نَقَصَ عقلُها؟ ‍! ‍ فقال سعيد: أعراقيٌّ أنت؟ فقلت: بل عالم متثبّت، أو جاهل مُتعلّم، فقال سعيد: هي السُّنَّة يا ابن أخي. [تنوير الحوالك 186/ 2].
فقد أفتى سعيد بن المسيب بظاهر ما أخرجه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: " عّقْلُ المرأة مثلُ عقل الرجل، حتى تبلغ الثلث من ديتها ".
ولأنَّ عَقْل أربع أصابع يزيد عن ثلث الدية، استحق التنصيف أي: تكون ديتها على النصف من دية الرجل، وإن كان غير مطابق لقضية الفكر أو العقل، إذْ لا شأن للعقل في التشريع الذي فيه النص، ولذلك عاب على ربيعة، ما يُعابُ عليه العراقيون يومئذٍ من تحكيم العقل في النصوص. [سعيد بن المسيب، لوهبة الزحلي ص 131].
وأنا عندما نقلتُ ما نقلتُ من لقول في القياس، لا أريد أن أرفض القياس، فليس هذا من مطلبي في هذا البحث، ولكنني أؤرخ لوجود القياس، ولأقول إنه غير موجود في المدينة في عصر التابعين، فكيف نقول بوجوده نصاً ولفظاً في عهد عمر بن الخطاب؟.
(د) والمعمول به في عهد الصحابة، أن الخليفة أو الصحابي الذي لم يجد أثراً في القضية، يستشير مَنْ عنده، ويسأل الصحابة، فالسؤال مرحلة تسبق الرأي، ولكن الرسالة انتقلت من النصّ (القرآن والسنة) إلى القياس، ولم تطلب منه المشورة، والمعروف أن العراق ـ البصرة والكوفة ـ كان عامراً بالصحابة، والتابعين.

الصفحة 84