كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

85…
خامساً: قوله في الرسالة " المسلمون عدولٌ بعضُهم على بعض إلا مجلوداً في حدٍّ " .. قوله: " إلا مجلوداً في حدٍّ " يخالف الآثار الصحيحة المروية عن عمر بن الخطاب، وعدد من التابعين.
فقد بوّب البخاري في كتاب الشهادات باب " شهادة القاذف والسارق والزاني ".
وصدّره بقوله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً، وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) .. ثم قال: وجلد عُمَرُ أبا بكر وشبْل بن مَعْبد، ونافعاً بقذف المُغيرة، ثم استتابهم وقال: مَنْ تابَ، قبلتُ شهادته .. وأجازه عبد الله بن عتيبة، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جُبير، وطاوس ومجاهد والشعبي، وعكرمة، والزهري، وشُريح، ومعاوية بن قرّة، وقالوا أبو الزناد: الأمر عندنا بالمدينة، إذا رجع القاذف عن قوله فاستغفر ربَّه، قُبلت شهادته.
قال البخاري: وقال بعض الناس: " لا تجوزُ شهادةُ القاذفِ وإنْ تابَ ".
قال ابن حجر في [الفتح 257/ 5] هذا منقول عن الحنيفة، واحتجوا في ردّ شهادة المحدود بأحاديث قال الحُفّاظ: لا يصح منها شيء ... وقبول شهادة المحدود في القذف إذا تاب، مذهب الشافعي، ومالك وأحمد .. للآية .. لقوله: (إلا الذين تابوا) ولما روى البخاري عن عمر، وروى الشافعي عن ابن عباس أنه كان يُجيز شهادة القاذف إذا تاب.
وروى البيهقي عن ابن عُيَينة قال: سمعتُ الزهريَّ يقول: زعم أهل العراق ـ أو بعضهم ـ أن شهادة المحدود لا تجوز، فأشهد لأخبرني فلانٌُ أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة، تُبْ، تُقبلْ شهادتُك ... وأمّا قوله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) .. الآية [النور: 4 ـ 5].
فالذين لا يقبلون شهادة المحدود يذهبون إلى أن المعنى انقطع عند قوله تعالى: (ولا تقبلوا شهادةً أبداً).
ثم استأنف فقال: " وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا " فجعلوا الاستثناءَ من الفسق خاصة دون الشهادة.

الصفحة 85