كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

86…وأما الذين قبلوا شهادة المحدود، فقالوا: إن الكلام تبعَ بعضُه بعضاً على نسق واحد، فقال: " ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً، وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا " فانتظم الاستثناء كلَّ ما كان قبله ... وعلى هذا يكون إعراب الآيات: كالتالي: والذين: مبتدأ.
وجملة: فاجلدوهم .. الخبر الأول.
ولا تقبلوا لهم: الجملة عطف على جملة فاجلدوهم، وهي بمنزلة الخبر الثاني وأولئك هم .. : الواو عاطف، والجملة معطوفة على جملة فاجلدوهم، وهي بمنزلة الخبر الثالث.
وقوله تعالى: إلا .. المستثنى منه: الذين يرمون المحصنات في أول الآية.
والتائبون من جملتهم، لكنهم مخرجون من الحكم .. والله أعلم.
وبَعْدُ: فإن النقد يتناول كثيراً من نواحي الرسالة غير ما ذكرت: في لغتها وأسلوبها وطول الرسالة .. وكثرة الترادف فيها .. مما يجعلنا نقول: قد تكون الرسالة من صنع أهل العراق في القرن الثاني، لدعم مذهب فقهي، كما رأينا في الأمثلة التي ناقشناها.
والله أعلم.
(هـ) القضاء في زمن عثمان بن عفّان: في الخبر المرسل الذي رواه أبو داود عن الزهري " ما اتخذ رسول الله قاضياً حتى مات، ولا أبوبكر ولا عمر، إلا أنه قال لرجل في آخر خلافته اكفني بعض أمور الناس " [المراسيل ص 284].
والنفي لا يشمل عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه، لكن روى صاحب أخبار القضاة [111/ 1] أن الإمام مالك قال: " أول مَنْ اتخذ قاضياً معاوية بن أبي سفيان، وكان الخلفاءُ قبل ذلك يباشرون كلَّ شيء من أمور الناس بأنفسهم " ولم ينكر العلماءُ ما نقله الإمام مالك، ولكنهم تأولوه، بأن المراد، في المدينة، لا في الأقاليم البعيدة عنهم.

الصفحة 86