كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

87…
قال ابن عبد البرّ في " الاستيعاب " في ترجمة زيد بن الخطاب، وكان استشهد في اليمامة في حرب الردّة، " قال: وكانوا يرون أن أبا مريم الحنفي، قتل زيد بن الخطاب يوم اليمامة، وقال أبو مريم لعمر: يا أمير المؤمنين، إنّ الله أكرم زيداً بيدي ـ يعني الشهادة ـ ولم ينهي بيده ـ يعني لو قُتِل أبو مريم لمات مشركاً، لأنه كان من المرتدين ثم أسلم ـ قال ابن عبد البر؛ فيما روى: وإنما قتل زيد بن الخطاب سلمة بن صبيح ابن عم أبي مريم.
قال أبو عمر: النفس أميل إلى هذا، لأن أبا مريم، لو كان قاتل زيدٍ، ما استقضاه عُمَرُ على البصرة.
ثم قال: وقد كان مالك يقول: أول من استقضى معاوية، وينكر أن يكون استقضى أحد من الخلفاء الأربعة، وهذا عندنا محمول على حضرهم، لا على ما نأى عنهم، وأمّروا عليه من أعمالهم غيرهم، لأن استقضاء عُمر لشريح على الكوفة أشهر عند علمائها من كلِّ شُهْرةٍ وحُجَّة " وقال الكتاني في [التراتيب 260/ 1]: ولما وقع في " العتيبة " عن مالك: ما استقضى أبو بكر ولا عمر ولا عثمان قاضياً، وما كان ينظر في أمور الناس غيرهم، كتب عليها ابن رشد: هذا أصل ما تقدم أن أول من استقضى معاوية، يريد أنه أول مَنْ استقضى في موضعه الذي كان فيه لاشتغاله بما هو سوى ذلك من أمور المسلمين .. فقد ولّى عمر بن الخطاب على قضاء البصرة أبا شريح الحنفي، وولّى كعب بن سور اللقيطي فلم يزل قاضياً حتى قُتل عمر، وولّى شريحاً قضاءَ الكوفة، يدل على صحة ما تأولناه، إذ لا يصح أن ينظروا بأنفسهم إلا في مواضعهم، لا فيما بَعُدَ من البلاد " اهـ. ويؤيّد ما ذكره الإمامُ مالك، ما رواه وكيع في أخبار القضاة، والبيهقي في سننه، في باب " مَنْ يشاور " من كتاب آداب القاضي: " كان عثمان بن عفّان، إذا جلس على المقاعد جاءَه الخصمان، فقال لأحدهما: اذهب فادعُ علياً، وقال للآخر: اذهب فادع طلحة والزبير، ونفراً من أصحاب النبيّ ص، ثم يقول لهما: تكلما، ثم يقبل على القوم فيقول: ما تقولون؟ فإن قالوا ما يوافق رأيه، أمضاه، وإلا نظر فيه بَعْدُ، فيقومان وقد سلّما ". هذه رواية…

الصفحة 87