كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

89…
أتتني سُلَيْمُ قَضَّها وقضيضَها تُمَسِّحُ حولي بالبقيع سبالهَا (1)
يقولون لي: يا احلف ولست بحالفٍ أُخَاتلُهمْ عنها لكيما أنالهَا (2)
ففرجْتُ همَّ النفسِ عني بحلفةٍ كما شقَّت الشقراءُ عنها جِلاَلَها (3)
... وقول ابن سلام، " وكان عثمان أقعد كثير بن الصلت للنظر في الخصومات " لا يعني هذا القضاء .. وربما ينطبق هذا على قصة زيد بن ثابت،…
__________
(1) قوله: " قضها وقضيضها " في الخزانة " قضَّها بقضيضها " ومعناها: مُنْقضاً آخرهم على أولهم، أي: جاءوا مجتمعين، ومنه المثل " جاءوا قضَّهُمْ بقضيضهم " وقدذكرسيبون أن "قضَّهُمْ " مصدر وقع حالاً. والسّبال: جمع سَبَلةَ: مقدم اللحية. يريد أنهم يمسحون لحاهم وهم يتهددونه ويتوعدونه. والبقيع: موضع مقبرة أهل المدينة.
(2) قوله: " يا احلف " أي: يارجل احلف، أو يا للتنبيه. وقوله: أُخاتلهم عنها: أي: عن الحَلْفة التي طالبوني أنْ أحلف بها، فأقول لهم: لا أحلف، وأظهر أن أحلف يشقُّ عليَّ حتى يلحّوا في استحلافي، فإذا استحلفوني انقطعت الخصومة بيننا. وقوله: لكيما أنالها: أي: أنال الحَلفة واليمن. قال البغدادي ومثله قول بعضهم:
سألونأي اليمينَ فارتعتُ منها لِيُغَرّوا بذلك الانخداع
ثم أرسلتُها كمنحدر السيل تعالى من المكان اليفاع
ومثله لابن الرومي:
وإني لذو حَلفٍ كاذبٍ إذا ما اضطُررت وفي الحالِ ضيقُ
وهل من جُناحٍ على مسلمٍ يدافعُ باللَّهِ ما لا يُطيقُ
وربما أطلت ُفي شرح هذه الأبيات، في موطن ليس مكاناً للتطويل ولكنني تعلمتُ منها شيئاً طالما أوقعني الجهل به في الحبائل، فأحببت أن أُطلع القارىء عليه، لأنه أنموذج بشريّ لا زال موجوداً في أيامنا.
(3) يقول: كشفتُ الغمَّ باليمين الكاذبة، كما كشفت الشقراء ظهرها بشقّ جُلِّها عنه. والشقراء: أي الفرس الشقراء. والجلال: جمع جلّ، وهو كساء تلبسه الدواب. هكذا فسره ابن قتيبة، في كتاب [المعاني الكبير ص 841]، والبغدادي في الخزانة. ولكن محمد شاكر، يرى أن الشقراء هنا: المرأة الحسناء، تشق حجابها فجأة، فتطيش أبصار الناس من رؤيتها واضحة المحيّا مشرقة الوجه.
وهو تفسير ممتاز.

الصفحة 89