كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
95…
(د) الشورى لاختيار الخليفة:
قال البخاري في رواية عمرو بن ميمون: فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهطُ، فقال غبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم: فقال الزبير: قد جعلتُ أمري إلى عليّ.
فقال طلحة: قد جعلتُ أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف.
فقال عبد الرحمن ـ يخاطب عثمان، وعلياً ـ أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، واللَّهُ عليه والإسلامْ، لينظرَنَّ أفضلهم في نفسه؟ فأُسكت الشيخان.
فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ، واللَّهُ عليَّ، أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نَعَمُ.
فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرايةٌ، من رسول الله، والقدم في الإسلام ما قد علمت، فاللَّهُ عليك، لئن أمّرتك لتعدلَنَّ، ولئن أمرتُ عثمان لتسمَعَنَّ، ولتُطيعَنَّ، ثم خلا بالآخر، فقال مثل ذلك.
فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عُثمانُ، فبايَعَهُ، فبايع له عليَّ، وولج أهلُ الدار فبايعوه.
وهذه رواية أُخرى في قصة الشورى، رواها البخاري عن المِسْورِ (1) بن مخرمة، في كتاب الأحكام، باب " كيف يبايعُ الإمامُ الناس " قال: " إن الرهط الذين ولاّهم عمر، اجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر (2)، ولكنكم إن شئتم اخترتُ لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن.
فلما ولّوا عبد الرحمن أمرَهُمْ، فانثال (3) الناس علي عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبعُ أولئك الرَّهُط، ولا يطأ عَقِبه (4) …
__________
(1) المسور بن مخرمة الزهري، ابن أخت عبد الرحمن، فعبد الرحمن خالُه، ولد بَعْد الهجرة بسنتين، وقدم المدينة بعد الفتح سنة ثمان، وتوفي في حصار ابن الزبير سنة 64هـ، أصابه حجر المنجنيق.
(2) يريد أنه خلع من حقه في الخلافة.
(3) أي: قصده كلهم شيئاً بعد شيء.
(4) يطأ عَقَبه: أي: يمشي خلفه.
وقوله " ولا يطأ .. " كناية عن الإعراض.