كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
99…
(أ) ويؤخذ من الأخبار أنَّ الناس كانوا يتناشدون الأشعار أيام عمر، بل كان الشعراءُ ينشدون الناسَ أشعارهم، حيث عنون النسائي في " باب المساجد " " الرخصةُ في إنشاد الشعر الحسن في المسجد ".
وروي عن سعيد بن المسيب قال: مرّ عُمَرُ بحسان بن ثابت وهو يُنْشِدُ في المسجد فَلَحَظ إليه، فقال: قد أنشدتُ وفيه مَنْ هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: " أسمعتَ رسول الله بقول: أجب عني، اللهم أيده بروح القُدُس، قال: اللهمَّ.
نَعَمْ ". [النسائي 48/ 2] وقوله: فلحظ إليه: أي: نظر إليه بطرف العين نظراً يفيد النهي عنه.
وأخرج الإمام مالك في الموطأ من طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال: " بنى عُمَرُ إلى جانب المسجد رحبة، فسمّاها البطحاء، فكان يقول: مَنْ أراد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوتاً، فليخرج إلى هذه الرحبة ". [عن الفتح 156/ 13.
وروى ابن سلاّم في [الطبقات 243/ 1] قال: " قدم ضرار بن الخطّاب الفهري وعبد الله بن الزِّبعري، المدينة أيام عمر بن الخطاب، فأتيا أبا أحمد بن جحش الأسدي، وكان مكفوفاً، وكان مألفاً يُجْتَمعُ إليه، ويُتحدثُ عنده، ويقول الشعر، فقال له: أتيناك لترسل إلى حسان بن ثابت، فنناشده ونُذاكره، فإنه كان يقول في الإسلام، ويقول في الكُفْر، فأرسل إليه فجاء فقال: يا أبا الوليد، أخواك تطرّبا إليك ـ أي: اشتاقا ـ ابن الزَّبعري وضرار، يذاكرانك ويناشدانك، قال: نعم، إن شئتما بدأتُ وإن شئتما فابْدَيَا، قالا: نبدأ، فأنشداه، حتى إذا صار كالمرجل، يفورُ، قعدا على رواحهما ـ أي: انصرفا ـ فخرج حسّان حتى تلقّى عمر بن الخطاب، وتمثّل ببيْتٍ فأرسل في إثْرهما فرُدّا، وقال لحسان: أنشدهما، فأنشد حاجته قال: أكتفيتَ؟ قال:…