كتاب مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ط الراية (اسم الجزء: 2)

فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ؟ أَذَهَبَ لَكِ مَالٌ، أَوْ أُصِبْتِ بِمُصِيبَةٍ؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ كَانَ لِي قَلْبٌ فَقَدْتُهُ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ مُصِيبَتُكِ؟ قَالَتْ: وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ فَقْدِ الْقُلُوبِ وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْمَحْبُوبِ.
فَقُلْتُ: لَهَا إِنَّ حُسْنَ صَوْتِكِ قَدْ عَطَّلَ عَلَى سَامِعِيهِ الطَّوَافَ. فَقَالَتْ: يَا شَيْخُ الْبَيْتُ! بَيْتُكَ أَمْ بَيْتُهُ؟ قُلْتُ: بَلْ بيته. قالت: فالحرم حرمك أم حرمه؟ قلت: حَرَمُهُ. قَالَتْ: فَدَعْنَا نَتَدَلَّلُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا اسْتَزَارَنَا إِلَيْهِ. ثُمَّ قَالَتْ: بِحُبِّكَ لِي إِلا رَدَدْتَ عَلَيَّ قَلْبِي.
فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أين تعلمين أنه يحبك؟ قالت: بالعناية الْقَدِيمَةِ جَيَّشَ مِنْ أَجْلِي الْجُيُوشَ، وَأَنْفَقَ الأَمْوَالَ، وَأَخْرَجَنِي مِنْ بِلادِ الشِّرْكِ، وَأَدْخَلَنِي فِي التَّوْحِيدِ، وَعَرَّفَنِي نَفْسَهُ، بَعْدَ جَهْلِي إِيَّاهُ، فَهَلْ هَذَا إلا لعناية؟
قُلْتُ: كَيْفَ حُبُّكِ لَهُ؟ قَالَتْ: أَعْظَمُ شَيْءٍ وَأَجَلُّهُ. قُلْتُ: وَتَعْرِفِينَ الْحُبَّ؟ قَالَتْ: فَإِذَا جَهِلْتُ الْحُبَّ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْرِفُ؟ قُلْتُ: فَكَيْفَ هُوَ؟ قالت: أرق من الشراب، قلت: وأي شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَتْ: مِنْ طِينَةٍ عُجِنَتْ بِالْحَلاوَةِ، وخمرت في إناء الجلالة، حلو المتجنى ما أقصر، فَإِذَا أُفْرِطَ، عَادَ خَبَلا قَاتِلا،

الصفحة 23