كتاب مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ط الراية (اسم الجزء: 2)
قَالَ ذُو النُّونِ: فَشَجَانِي مَا سَمِعْتُ حَتَّى انتحبت، فبكت وقالت: إِلَهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلاي! بِحُبِّكَ لِي إِلا غَفَرْتَ لِي.
قَالَ: فَتَعَاظَمَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ: يَا جَارِيَةُ! أَمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي بِحُبِّي لَكَ حَتَّى تقولي بحبك لي؟
فقالت: إليك يا ذو النُّونِ؛ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْمًا يُحِبُّهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحِبُّوهُ؟ أَمَا سَمِعْتَ الله عز وجل يقول: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} ، فسبقت محبته لهم قبل مَحَبَّتَهُمْ لَهُ.
فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ أَنِّي ذُو النُّونِ؟
فَقَالَتْ: يَا بَطَّالُ! جَالَتِ الْقُلُوبُ فِي مَيْدَانِ الأَسْرَارِ، فَعَرَفْتُكَ بِمَعْرِفَةِ الْجَبَّارِ. ثُمَّ قَالَتِ: انْظُرْ مِنْ خَلْفِكَ. فَأَدَرْتُ وَجْهِي، فَلا أَدْرِي السَّمَاءُ اقْتَلَعَتْهَا أَمِ الأَرْضُ ابْتَلَعَتْهَا؟
وَقَالَ ذو النون: بينا أنا أطوف بالبيت ليلاً وَقَدْ نَامَتِ الْعُيُونُ، وَإِذَا بِشَخْصٍ قَدْ حَاذَى باب البيت وهو يقول: رب! عبدك المسكين الطريد الشريد، أسألك بِالْعُصْبَةِ الَّتِي مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيَّ بِرُؤْيَتِي لَهُمْ، إِلا أَعْطَيْتَنِي مَا
الصفحة 25
479