كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)
(كِتَابُ الْعَتَاقِ) الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ لُغَةً: الْقُوَّةُ مُطْلَقًا. وَشَرْعًا: قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْأَغْيَارِ عَنْهُ (وَالْإِعْتَاقُ) لُغَةً: إثْبَاتُ الْقُوَّةِ مُطْلَقًا، وَشَرْعًا: (إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْمُعْتَقُ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَغْيَارِ وَعَلَى دَفْعِ تَصَرُّفِ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ لَا مُطْلَقًا بَلْ (بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ) الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ كَالْقُوَّةِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْبَدَنِ بِزَوَالِ ضَعْفٍ حَقِيقِيٍّ وَهُوَ الْمَرَضُ (وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مَلَّكَهُ وَحَاصِلُهُ: جَعْلُهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَيَخْرُجُ بِهِ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ إذْ فِيهِمَا جَعْلُ مَمْلُوكِهِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَصِحُّ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (مِنْ حُرٍّ) لِيَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مُلِّكَ وَلَا عِتْقَ إلَّا فِي الْمِلْكِ (مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ: أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لِإِسْنَادِهِ التَّصَرُّفَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَيْ الْإِعْتَاقَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلضَّارِّ الْمَحْضِ بِخِلَافِ النَّافِعِ الْمَحْضِ وَالْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَكُونُ أَهْلًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَلِلثَّانِي بَعْدَهُ (فِي مِلْكِهِ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَصِحُّ وَإِنَّمَا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» (وَلَوْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ) أَيْ وَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ وَلَوْ كَانَ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمِلْكِ كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ يُعْتَقُ إذَا مَلَكَهُ وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ (بِصَرِيحِهِ) أَيْ بِصَرِيحِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَضْعًا وَشَرْعًا مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ (بِلَا نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ إذَا اشْتَبَهَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ وَإِذْ لَا اشْتِبَاهَ فَلَا نِيَّةَ وَذَلِكَ (كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ آكَدُ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْعَتَاق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ الْعَتَاقِ)
(قَوْلُهُ، وَالْإِعْتَاقُ شَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْمُفْضِي إلَى حُصُولِ الْعِتْقِ، فَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَشَرْحِ الْعَيْنِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِيمَا يَأْتِي فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا) تَعَلُّقُهُ بِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ خُرُوجُ فَرْدٍ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحُرُّ فَلَا يُتَّجَهُ نَفْيُ الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلُهُ: بَلْ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لَا وَجْهَ لِلْإِضْرَابِ عَلَى مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الْحُكْمِيَّ إنَّمَا هُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي عِتْقِ الْبَعْضِ بِقَوْلِهِ وَإِثْبَاتُهَا أَيْ الْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ.
(قَوْلُهُ: وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ) ذَكَرَهُ شَرْحًا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مَلَّكَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ) أَيْ يَلْزَمُ إزَالَةَ الْمِلْكِ مُطْلَقًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَكُونُ أَهْلًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِذْنِ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ النَّافِعُ الْمَحْضُ كَالْهِبَةِ وَبِالثَّانِي الْمُتَرَدِّدُ كَالْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقْتُكَ) كَذَا أَعْتَقَك اللَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْعَتَاقُ عَلَيْك وَعِتْقُك عَلَيَّ وَلَوْ زَادَ وَاجِبٌ لَمْ يَعْتِقْ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ بِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا اهـ
الصفحة 2
455