كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)
الْبَيِّنَةُ (أَوْ خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا فَقَبَضْتُهُ) أَيْ لَوْ قَالَ خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ أَيْضًا (قَالَ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِبَكْرٍ فَالْأَلْفُ لِزَيْدٍ وَعَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ لِبَكْرٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ لِبَكْرٍ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ زَيْدٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِبَكْرٍ
(أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ كَاذِبًا فِيهِ) أَيْ فِي إقْرَارِي (حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى عَدَمِ كَذِبِهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ مَا كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ لَك بِهِ وَلَسْتَ بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُقَرَّ لَهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ صَكَّ الْإِقْرَارِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ كَذَا فِي الْكَافِي.
(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) يَعْنِي مَرَضَ الْمَوْتِ (دَيْنُ صِحَّتِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِسَبَبِهِ أَوْ عَلِمَ بِإِقْرَارٍ فِيهَا.
(وَ) دَيْنُ (مَرَضِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِهِ (مَعْرُوفٍ) كَبَدَلِ مَا مَلَكَهُ أَوْ أَهْلَكَهُ أَوْ مَهْرِ مِثْلِ عُرْسِهِ وَعُلِمَ مُعَايَنَةً (يُقَدَّمَانِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا يُسَاوِي الْأَوَّلَيْنِ لِاسْتِوَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَلَنَا أَنَّ الْمَرِيضَ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ فَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ لَا يُزَاحِمُ الدَّيْنَ الثَّابِتَ بِلَا حَجْرٍ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُ الْأَوَّلَ (وَالْكُلُّ) أَيْ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ بِسَبَبٍ فِيهِ مَعْرُوفٍ وَدَيْنُ الْمَرَضِ الَّذِي عُلِمَ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ فِيهِ يُقَدَّمُ (عَلَى الْإِرْثِ) لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ حَاجَتُهُ فِي التَّكْفِينِ (وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ غَرِيمٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَا إقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ) سَوَاءٌ أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» (إلَّا بِتَصْدِيقِ الْبَقِيَّةِ) أَيْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّخْصِيصِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِالتَّرِكَةِ فَإِذَا صَدَّقُوهُ زَالَ الْمَانِعُ وَجَازَ التَّخْصِيصُ
(وَجَازَ) أَيْ إقْرَارُ الْمَرِيضِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مَالِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ كَانَ الْإِرْثَ وَقَدْ انْتَفَى (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ إقْرَارُهُ (بِكُلِّ مَالِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى الثُّلُثِ وَتَعَلَّقَ بِالثُّلُثَيْنِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَكَذَا إقْرَارُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
(أَقَرَّ لَهُ) أَيْ لِأَجْنَبِيٍّ (بِمَالٍ ثُمَّ) أَقَرَّ (بِبُنُوَّتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ وَ) أَقَرَّ (لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا صَحَّ) إقْرَارُهُ لَهَا.
وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْطُلُ هَذَا الْإِقْرَارُ أَيْضًا لِلتُّهْمَةِ وَلَنَا أَنَّهُ إقْرَارٌ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سَبَبُ التُّهْمَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِسَبَبٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى زَمَانِ الْعُلُوقِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ زَمَانَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا) هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُقِرِّ إجْمَاعًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ. . . إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ]
(قَوْلُهُ أَوْ مَهْرِ مِثْلِ عُرْسِهِ) قَيَّدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ غَرِيمٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ قَرْضًا فِي مَرَضِهِ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْبَيِّنَةِ يَصِحُّ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْبَاقِينَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْكَافِي وَقَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ وَلَا إقْرَاره لِوَارِثِهِ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْبَقِيَّةِ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ لِوَارِثِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْوَارِثُ اهـ.
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ إشَارَةٌ لِمَا إذَا تَعَدَّدَ الْوَارِثُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ آخَرُ فَأَوْصَى لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَوْصَتْ لِزَوْجِهَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ فَرَائِضِ الْعَتَّابِيِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأَخِيرِ كَمَا فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ وَفَرْضُهَا فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا يَرِثُ الْكُلَّ فَرْضًا وَرَدَّا بِكَوْنِهِ صَاحِبَ فَرْضٍ مُنْفَرِدًا أَوْ بِكَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَصِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَجَازَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَلَوْ بِكُلِّ مَالِهِ أَيْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ فِي الْمَرَضِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ
(قَوْلُهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ. . . إلَخْ) .
أَيْ وَقَدْ جَهِلَ نَسَبَهُ وَصَدَّقَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ، وَلَوْ كَذَّبَهُ أَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ
الصفحة 367
455