كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)
فَيَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ لِزَوْجَتِهِ (بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهَا شَيْئًا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُمَا يَبْطُلَانِ اتِّفَاقًا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا تَصِحُّ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَصَارَتْ كَالْوَصِيَّةِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ) أَيْ مَرَضِ مَوْتِهِ (فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ) أَيْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ (وَالدَّيْنُ) لِقِيَامِ التُّهْمَةِ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ وَبَابُ الْإِقْرَارِ كَانَ مُنْسَدًّا لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فَرُبَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهَا زِيَادَةً عَلَى إرْثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّهِمَا فَيَثْبُتُ
(أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ) حَيْثُ قَالَ هَذَا ابْنِي (جُهِلَ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ فَائِدَةِ هَذَا الْقَيْدِ (وَيُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَصَدَّقَهُ) أَيْ الْغُلَامُ ذَلِكَ الْمُقِرَّ (وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْغُلَامِ (مِنْهُ) أَيْ الْمُقِرِّ (وَشَارَكَ) أَيْ الْغُلَامُ (الْوَرَثَةَ) بِشَرْطِ جَهَالَةِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْغَيْرِ، وَأَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُكَذَّبًا ظَاهِرًا وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْغُلَامُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي غُلَامٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ وَلِذَا قَالَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَشَارَكَ الْوَرَثَةَ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ (صَحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى) لِأَنَّ مُوجِبَ إقْرَارِهِ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا بِلَا إضْرَارٍ بِأَحَدٍ فَيَنْفُذُ.
(وَ) صَحَّ (إقْرَارُهَا بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ (وَشُرِطَ تَصْدِيقُهُمْ) لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِمْ لَا يُلْزِمُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي يَدِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ (وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ كَمَا شُرِطَ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ الْوَلَدَ أَوْ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ) قَابِلَةٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِهَا (فِي إقْرَارِ) امْرَأَةٍ (ذَاتِ زَوْجٍ بِالْوَلَدِ وَعَدَمِ الْعِدَّةِ فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي إقْرَارِ امْرَأَةٍ غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً صَحَّ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا (وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ إلَّا مِنْ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا مُقِرَّةً) يَعْنِي صَحَّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لِبَقَاءِ النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ أَقَرَّ بِنِكَاحِهَا وَمَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ لَهَا الْمَهْرُ وَالْإِرْثُ لِبَقَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) أَطْلَقَ فِي الطَّلَاقِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالثَّلَاثِ وَيُرِيدُ الْبَائِنَ وَلَوْ بِدُونِ الثَّلَاثِ وَكَذَا فِي الْكَنْزِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بِسُؤَالِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ اهـ.
وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ إنَّهُ تَتَبَّعَ عَامَّةَ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْجَامِع وَالْمُحِيطِ وَأَيْنَمَا وَجَدْتُ الْمَسْأَلَةَ وَجَدْتُهَا مُقَيَّدَةً بِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ أَوْ بِأَمْرِهَا فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَمَّا عَدَمُ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ) وَيُدْفَعُ لَهَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ لَا بِحُكْمِ الْإِرْثِ حَتَّى لَا تَصِيرَ شَرِيكَةً فِي أَعْيَانِ التَّرِكَةِ
(قَوْلُهُ أَقَرَّ رَجُلٌ بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُنْدَرِجَةٌ فِي هَذِهِ (قَوْلُهُ وَيُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَصَدَّقَهُ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأُخُوَّةِ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ صَحَّ إقْرَارُهُ أَيْ الرَّجُلِ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) أَعَادَ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْوَلَدِ لِذِكْرِ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ وَأَفَادَ بِالصَّرَاحَةِ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْأُمِّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةُ شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلْإِمَامِ سِرَاجِ الدِّينِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْمَرْأَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ اهـ.
وَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الِابْنَ لَيْسَ بِقَيْدٍ مُخْرِجٍ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْبِنْتِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ يَعْنِي الْأَصْلَ وَإِنْ عَلَا اهـ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ إذَا أَقَرَّ بِالْجَدِّ أَوْ ابْنِ الِابْنِ لَا يَصِحُّ إذْ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالزَّوْجَةِ) أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ زَوْجٍ وَعِدَّتِهِ وَلَيْسَ مَعَ الْمُقِرِّ مَنْ يَمْتَنِعُ جَمْعُهُ مَعَهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ وَالْمَوْلَى) أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِنِكَاحِهَا وَمَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ) هُوَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَهُ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَتَصْدِيقُهُ أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى نِكَاحٍ أَقَرَّتْ لَهُ بِهِ لَغْوٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ زَالَ النِّكَاحُ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ وَعِنْدَهُمَا تَصْدِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا وَلَهُ الْمِيرَاثُ مِنْهَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَتِمُّ بِالْمُقِرِّ وَحْدَهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي تَصْدِيقِهَا إيَّاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقَرِّ بِهِ
الصفحة 368
455