كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

حُكْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحِ رَجُلٍ وَمَاتَتْ فَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ زَالَ النِّكَاحُ بِعَلَائِقِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا فَبَطَلَ إقْرَارُهَا فَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ.

(أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ وِلَادٍ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَمْ يَثْبُتْ) أَيْ النَّسَبُ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِذَا ادَّعَى نَفَقَةً أَوْ حَضَانَةً يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهَا (وَيَرِثُ إلَّا مَعَ وَارِثٍ وَإِنْ بَعُدَ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ.

(مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ بِلَا نَسَبٍ) لِأَنَّ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ شَيْئَانِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَشَرِكَتُهُ فِي الْإِرْثِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيُعْتَبَرُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ (أَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْ مَيِّتٍ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَيِّتِ (عَلَى آخَرَ دَيْنٌ بِقَبْضِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ (أَبِيهِ نِصْفَهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْآخَرِ) يَعْنِي إنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ نِصْفَهُ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْمُكَذِّبِ نِصْفُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ عَيْنٍ مَضْمُونٍ يَصِيرَ دَيْنًا فَيَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ جَمِيعَ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى اشْتِرَاكِهِ) أَيْ الْمَقْبُوضِ (بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ فَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِقَدْرِ ذَلِكَ لِانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَبَقَائِهِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ

(فَصْل)
(حُرَّةٌ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ فَكَذَّبَهَا زَوْجُهَا صَحَّ) أَيْ إقْرَارُهَا (فِي حَقِّهِ) أَيْ حَقِّ زَوْجِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (حَتَّى تُحْبَسَ وَتُلَازَمَ) كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيِّنَةِ (وَعِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا تُحْبَسُ وَلَا تُلَازَمُ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ الزَّوْجِ عِنْدَ غَشَيَانِهَا وَإِقْرَارَهَا لَا يَصِحُّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الزَّوْجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ النِّكَاحُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُحَالٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ إبْقَاؤُهَا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ حَتَّى يَجِبَ لَهَا الْمَهْرُ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ فَأَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِبَقَائِهَا وَلِذَا جَازَ لَهَا غُسْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَلِذَا لَا يُغَسِّلُهَا اهـ فَالِاتِّفَاقُ الْمَذْكُورُ فِي الْعِنَايَةِ يُخَالِفُهُ هَذَا

(قَوْلُهُ يَعْنِي إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ) كَذَا صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَارِثَ الْقَرِيبَ كَذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ مُطْلَقًا وَالْبَعِيدَ كَذَوِي الْأَرْحَامِ اهـ.
وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرَّ لَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ اهـ.
وَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوْجَهُ لِأَنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ إرْثُهُ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِنَسَبٍ عَلَى الْغَيْرِ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ إرْثٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ مَا دَامَ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْوَصِيَّةِ اهـ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُقِرَّ بِنَحْوِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِهَؤُلَاءِ أَيْ بِنَحْوِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْمُقِرُّ الرُّجُوعَ فِيهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ وَلَهُ الرُّجُوعُ إذَا أَقَرَّ بِمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَقَرَابَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مَعْنًى فَإِنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ: تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. وَالثَّانِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ فَيَصِحُّ وَالْأَوَّلُ لَا يَمْلِكُهُ فَبَطَلَ اهـ.
وَهَذَا الْفَرْقُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الِاخْتِيَارِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ

(قَوْلُهُ وَالنِّصْفُ لِلْآخَرِ) قَالَ الْأَكْمَلُ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ شَطْرَ الْمِائَةِ اهـ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهَا كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَإِنْ حَلَفَ دَفَعَ إلَيْهِ نَصِيبَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ اهـ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِحَقِّ مَنْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ قَبْضَ عَيْنٍ مَضْمُونٍ) أَصْلُهُ قَوْلُ الْكَافِي إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ عَيْنٍ مَضْمُونٍ اهـ أَيْ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَإِذَا قَبَضَ مِثْلَ دَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِلْمَدْيُونِ وَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا (قَوْلُهُ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ جَمِيعَ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ أَيْ الْمُقِرِّ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ

[فَصْل حُرَّةٌ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ فَكَذَّبَهَا زَوْجُهَا]
فَصْلٌ

الصفحة 369