كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

(وَ) نِصَابُهَا (لِلْوِلَادَةِ وَاسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ إذْ الْكُلُّ لَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا فَيُرَادُ بِهِ الْأَقَلُّ لِتَيَقُّنِهِ (وَ) نِصَابُهَا (لِغَيْرِهَا) مِنْ الْحُقُوقِ سَوَاءٌ كَانَ (مَالًا أَوْ غَيْرَهُ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَوَكَالَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَاسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لِلْإِرْثِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا (وَلَزِمَ فِي الْكُلِّ) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ (لَفْظُ أَشْهَدُ لِلْقَبُولِ) حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَجَوَازُ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ

(وَلَزِمَ أَيْضًا الْعَدَالَةُ) وَهِيَ كَوْنُ حَسَنَاتِ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الِاجْتِنَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَتَرْكَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَكُونُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ» (لِوُجُوبِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْقَبُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالْحُجَّةُ هُوَ الْخَبَرُ الصِّدْقُ وَبِالْعَدَالَةِ يَتَرَجَّحُ جِهَةُ الصِّدْقِ إذْ مَنْ ارْتَكَبَ غَيْرَ الْكَذِبِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ يَرْتَكِبُ الْكَذِبَ أَيْضًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَالسَّلْطَنَةِ وَالْإِمَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ يَصِحُّ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْكَافِي

(وَهِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ (لَوْ) كَانَتْ (عَلَى حَاضِرٍ تَجِبُ الْإِشَارَةُ) أَيْ إشَارَةُ الشَّاهِدِ (إلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) أَعْنِي (الْخَصْمَيْنِ) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَالْمَشْهُودَ بِهِ لَوْ) كَانَ (عَيْنًا) احْتِرَازًا عَنْ الدَّيْنِ (وَلَوْ) كَانَتْ (عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَسَمَّوْهُ وَنَسَبُوهُ إلَى أَبِيهِ فَقَطْ) بِأَنْ قَالُوا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ (لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَنْسُبُوهُ إلَى جَدِّهِ وَلَا يَنُوبُهُ صِنَاعَتُهُ) أَيْ إنْ ذَكَرُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَصِنَاعَتَهُ لَا يَكْفِي (إلَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِهَا) بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَلَدِهِ شَرِيكٌ لَهُ فِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَقَبِيلَتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَحَلَّتِهِ رَجُلٌ آخَرُ بِهَذَا الِاسْمِ وَهَذِهِ الْحِرْفَةِ يَكْفِي وَإِنْ كَانَ آخَرُ مِثْلَهُ لَا يَكْفِي حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا آخَرَ يُفِيدُ التَّمْيِيزَ وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَفَخِذَهُ أَوْ صِنَاعَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ تُقْبَلُ فَشَرْطُ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَقَبَهُ وَاسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ قِيلَ يَكْفِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْجَدِّ اخْتِلَافٌ (وَلَوْ قَضَى بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ نَفَذَ) وَكَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

(وَلَا يَسْأَلُ عَنْ شَاهِدٍ بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْتَصِرُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ وَلَا يَتَفَحَّصُ أَنَّ الشَّاهِدَ عَدْلٌ أَوْ لَا إذَا لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ الْخَصْمُ وَإِذَا طَعَنَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ فِي السِّرِّ وَزَكَّى فِي الْعَلَانِيَةِ (إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) فَإِنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ وَيُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ فِيهِمَا بِالْإِجْمَاعِ طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِمَا (وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ سِرًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَوَصِيَّةٍ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ هَهُنَا الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ قَالَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَصِيَّةَ لَكَانَ مَالًا اهـ.
وَلَعَلَّ الْحَالَ لَا يَفْتَرِقُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ

(قَوْلُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَلَدِهِ شَرِيكٌ لَهُ فِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ) لَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَلْ قَالَ وَلَوْ ذَكَرُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَصِنَاعَتَهُ لَا يَكْفِي إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّنَاعَةُ يُعْرَفُ بِهَا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يَكْفِي اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَفَخْذَهُ أَوْ صِنَاعَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ تُقْبَلُ. . . إلَخْ) قَوْلُهُ لِغَيْرِ الْقَائِلِ لِمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ بَعْدَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَاقِمًا بِعَلَامَةِ صط ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ التَّعْرِيفُ لَا تَكْثِيرُ الْحُرُوفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذِكْرُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ فَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبِهِ وَجَدِّهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذِكْرُ لَقَبِهِ وَجَدِّهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ شَاهِدٍ بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَيَلْتَمِسُ مِنْ الْمُزَكِّي تَعْرِيفَ حَالِهِمْ) كَيْفِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ عَرَفَ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إنَّهُ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ يَسْكُتُ وَلَا يَكْتُبُ احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ إنَّهُ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّ الْعُدُولُ الْمَسْتُورَةَ سِرًّا كَيْ لَا تَظْهَرَ فَيُؤْذَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ

الصفحة 372