كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

مِثْلُ الثَّمَنِ فَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ.
(وَ) بَيِّنَةُ (كَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ عَاقِلًا أَوْلَى مِنْ) بَيِّنَةِ (كَوْنِهِ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ أَوْ مَجْنُونًا) يَعْنِي أَنَّ أَمَةً أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا دَبَّرَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ وَأَقَامَتْ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا كَانَ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ. فَبَيِّنَةُ الْأَمَةِ أَوْلَى وَكَذَا إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُلْعِ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى كَوْنِهِ عَاقِلًا حِينَئِذٍ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَأَقَامَ وَلِيُّهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَالْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى فِي الْفَصْلَيْنِ (وَ) بَيِّنَةُ (الْإِكْرَاهِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ) يَعْنِي لَوْ أُثْبِتَ إقْرَارُ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ طَائِعًا فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنِّي كُنْت مُكْرَهًا فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ

(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)
اعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى أُصُولٍ مُقَرَّرَةٍ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى مِنْ مُدَّعٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ حُقُوقِهِمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَالَبَتِهِمْ وَلَوْ بِالتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الدَّعْوَى لِأَنَّ إقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِهَا فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى كَانَ الْمُدَّعَى مُكَذِّبَهُمْ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ لِلِاتِّفَاقِ فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ أَزْيَدُ مِنْ الْمُقَيَّدِ لِثُبُوتِهِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْمِلْكَ بِالسَّبَبِ مُقْتَصِرٌ عَلَى وَقْتِ السَّبَبِ وَمِنْهَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ لَيْسَ كَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي الْمَعْنَى وَفِي لَفْظٍ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ وَلَا عِبْرَةَ بِاللَّفْظِ كَذَا فِي الْفُصُولِ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَوْضِيحٍ لَهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا يَنْبَغِي حَيْثُ قَالَ شَرْطُ مُوَافَقَةِ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى كَاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَلِهَذَا قُلْت (تَجِبُ مُطَابَقَةُ الشَّهَادَةِ لِلدَّعْوَى) لَا لَفْظًا وَمَعْنًى مَعًا بَلْ (مَعْنًى) فَقَطْ (فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ) كَدَعْوَى الدَّارِ بِالْإِرْثِ مَثَلًا (قُبِلَتْ) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِلْمُطَابَقَةِ مَعْنًى كَمَا مَرَّ (وَبِعَكْسِهِ) أَيْ لَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ (لَا) أَيْ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَتَبْطُلُ كَمَا مَرَّ.
(وَ) يَجِبُ (تَطَابُقُ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَلَفْظٍ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُ) أَيْ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى بِأَنْ يَتَطَابَقَ لَفْظُهُمَا عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا التَّضَمُّنِ وَعِنْدَهُمَا يَكْفِي الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى حَتَّى إذَا ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمْ يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فِيهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]
(قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ. . . إلَخْ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لَا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى) هَذَا فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ. . . إلَخْ) هَذَا أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا. . . إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُفَرِّعَ بِقَوْلِهِ فَلَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدُوا بِأَلْفٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ التَّطَابُقِ مَعْنًى وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وِزَانِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ فَشَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى بِأَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا أَلْفًا وَقَدْ شَهِدَا بِهِ صَرِيحًا فَتُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ أَيْ لَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَا أَيْ لَا تُقْبَلُ) هَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الْإِرْثِ وَالنِّتَاجِ وَكَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ مَجْهُولٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قَبْلَنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَطَابُقُ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى. . . إلَخْ) مِنْ صُوَرِهِ مَا لَوْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ وَآخَرُ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْبَرَاءَةِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْكَافِي مَعَ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ اهـ.
وَذَكَرَ الْكَمَالُ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلْيُرَاجَعْ

الصفحة 384