كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

الرَّابِعَةُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَلْ إذْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ) أَيْ لَمْ يُسَلِّمْ الْفُضُولِيُّ الْبَدَلَ (وُقِفَ) أَيْ صَارَ الصُّلْحُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ (فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ (وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ (رُدَّ) أَيْ الصُّلْحُ هَذِهِ صُوَرٌ خَمْسٌ لِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ فَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُشِرْ فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مَجَّانًا لِعَدَمِ رِضَائِهِ بِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَشْرُوطُ لِالْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَرَاءَةُ وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ فَقَدْ شَرَطَ لَهُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَصَارَ الْعَقْدُ تَامًّا بِقَبُولِهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْعَبْدَ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أَوْ وَجَدَهُ حُرًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَمْ يَضْمَنْ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ دَلَالَةَ التَّسْلِيمِ عَلَى رِضَى الْمُدَّعِي فَوْقَ دَلَالَةِ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ عَلَى رِضَاهُ وَأَمَّا الْخَامِسُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَبَاقِي الْوُجُوهِ لَمْ يُفِدْ صِحَّةَ الصُّلْحِ

(الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا لَهُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مِنْ جِنْسِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَقْدِ مُدَايَنَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمَا فَالصُّلْحُ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَحَطٌّ لِبَاقِيهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ يُصَحَّحُ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا (فَصَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ (عَنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَ) عَنْ (أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ) فَجُعِلَ حَطًّا لِلْبَعْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْبَعْضِ وَالصِّفَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ عَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي الدَّيْنُ بِهِ.
(وَ) عَنْ (أَلْفٍ حَالٍّ عَلَى) أَلْفٍ (مُؤَجَّلٍ) إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى تَأْخِيرٍ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ.
(وَ) عَنْ (عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إذْ يُعْتَبَرُ حَطًّا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَبَعْضِ الدَّرَاهِمِ وَتَأْجِيلًا لِلْبَعْضِ لَا مُعَاوَضَةً لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ لَازِمٌ فِي الصُّلْحِ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ حَطًّا وَإِسْقَاطًا لَمْ يُعْتَبَرْ مُعَاوَضَةً (لَا عَنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ) لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ.
(وَ) لَا (عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا) لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ إذْ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ هُوَ الْمُؤَجَّلُ وَالْمُعَجَّلُ خَيْرٌ مِنْهُ فَقَدْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً وَالْأَجَلُ كَانَ حَقَّ الْمَدْيُونِ وَقَدْ تَرَكَهُ بِإِزَاءِ مَا حَطَّ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ فَكَانَ اعْتِيَاضًا عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ أَلَا يَرَى أَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ حُرِّمَ لِشُبْهَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْأَجَلِ فَلَأَنْ تَحْرُمَ حَقِيقَتُهُ أَوْلَى (وَ) لَا (عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى نِصْفِهِ بِيضًا) لِأَنَّ الْبِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّودُ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِيضَ فَقَدْ صَالَحَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا لَهُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) عَدَلَ بِهِ عَنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ الَّتِي هِيَ الصُّلْحُ عَمَّا اسْتَحَقَّ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ هَذَا سَهْوًا لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَمِيعُ صُوَرِهِ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطًا لِلْبَاقِي وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ بِجِنْسٍ آخَرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَالصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ الصُّلْحُ عَلَى مَا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَصْلًا جَيِّدًا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ نَقْضٌ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْجَوَابُ عَنْ الْكَنْزِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَخَذَ لِبَعْضِ حَقِّهِ لَا يَكُونُ إلَّا وَبَدَلُ الصُّلْحِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِخْبَارُهُ بِأَخْذٍ مَخْصُوصٍ بِبَعْضِ حَقِّهِ مُبَيِّنٌ لَهُ بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَمُؤَدَّى عِبَارَتِهِ الصُّلْحُ عَمَّا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ بِجُزْءٍ مِنْهُ أَخَذَ لِبَعْضِ حَقِّهِ. . . إلَخْ فَلَا عُمُومَ وَلَا سَهْوَ وَلَا اعْتِرَاضَ (قَوْلُهُ بِعَقْدِ مُدَايَنَةٍ) صُوَرُ الْمَتْنِ بِهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ لِشُمُولِهِ مَا عَلَيْهِ بِغَصْبٍ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَكَانَ الْأَوْلَى بَيَانُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَتْنُ مِنْ الْمُدَايَنَةِ وَالْغَصْبِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ زُيُوفٌ وَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْجِيَادِ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً ضَرُورَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا. . . إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ صُلْحِ الْمَوْلَى مُكَاتَبَةً عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى نِصْفِهَا حَالًّا حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ

الصفحة 400