كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

لِذِكْرِ الْحَقِّ (لَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ) أَيْ لَا يُقْرِضُ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ وَلَا الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ

(قَضَى بِالْجَوْرِ مُتَعَمِّدًا وَأَقَرَّ بِهِ فَالْغُرْمُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ) قَضَى بِالْجَوْرِ (خَطَأً فَعَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْوَاقِعَاتِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ

(حَكَّمَا) أَيْ جَعَلَ الْخَصْمَانِ بَيْنَهُمَا حَكَمًا (مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا يُنَافِي الْقَضَاءَ (فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ رَفْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا بِهَا وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ الْإِلْزَامُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمُوجِبِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (أَوْ نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ دِيَةٍ عَلَى الْعَصَبَةِ وَرَضِيَا) بِحُكْمِهِ (صَحَّ) الْأَصْلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فَمَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالصُّلْحِ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا وَاسْتِيفَاءَ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا (وَلَا يُفْتَى بِهِ) أَيْ بِصِحَّتِهِ (فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ) لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ (كَذَا) أَيْ صَحَّ (إخْبَارُهُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَبِعَدَالَةِ شَاهِدٍ حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ بَقَاءِ تَحْكِيمِهِمَا (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ (بِحُكْمِهِ) لِانْقِضَاءِ وِلَايَتِهِ كَالْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا قَالَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ حُكْمِهِ) لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَيَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى رِضَاهُمَا فَإِنْ قِيلَ التَّحْكِيمُ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا قُلْنَا شَرْطُ وُجُودِ الشَّيْءِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ شَرْطًا لِبَقَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا قَضَى ثُمَّ عُزِلَ لَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ

(لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ) كَحُكْمِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى إذْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ لِلتُّهْمَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ قَضَاؤُهُ لَهُمْ (بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا) أَيْ الْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمِ (عَلَيْهِمْ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهِ

(وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا) حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالرِّضَا بِرَأْيِ الْمُثَنَّى فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لَا يَكُونُ رِضًا بِرَأْيِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا (رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْمَوْلَى إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي أَحْكَامِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ خَالَفَ (أَبْطَلَهُ) فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي قَضِيَّةُ قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُحَكِّمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَالْقَاضِي الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُهُ غَيْرُهُمَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَكَانَ كَالصُّلْحِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّهُ إذَا صَادَفَ الْقَضَاءَ مَحَلَّهُ بِأَنْ يَكُونَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ

(فَائِدَةٌ) : إذَا غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ غَابَ الْوَكِيلُ أَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ غَابَ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ حَضَرَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِهَا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا الْأَبُ) هَذَا عَلَى أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الرَّهَاوِيُّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ قَاضِيًا لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَلَدِهِ فَتَنْتِفِي الْعِلَّةُ الْمُسَوِّغَةُ لِجَوَازِ إقْرَاضِهِ اهـ.
وَفِي أَخْذِهِ مَالَ طِفْلِهِ قَرْضًا رِوَايَتَانِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ حَكَّمَا مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا) يَتَنَاوَلُ تَحْكِيمَ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ وَلِذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ قَوَدٍ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَأَجَازَ فِي الْمُحِيطِ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوْهَرَةُ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْتِي بِهِ أَيْ بِصِحَّتِهِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرَ لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِئَلَّا يَذْهَبَ مَهَابَةُ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ. . . إلَخْ) أَصْلُهُ مِنْ كَافِي النَّسَفِيِّ وَتَصَرَّفَ فِي الْجَوَابِ بِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ بِمَا أَدَّى إلَى تَسْمِيَةِ الرُّكْنِ شَرْطًا وَبِانْعِدَامِ الرُّكْنِ يَفُوتُ الشَّيْءُ لِأَنَّ تَحْكِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا رُكْنٌ وَالْأَهْلِيَّةَ شَرْطٌ فَقَوْلُهُ قُلْنَا. . . إلَخْ الْمَنْفِيُّ اشْتِرَاطُ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى إبْطَالِ التَّحْكِيمِ فَيَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِبْطَالِهِ فَقَوْلُهُ كَمَا فِي الْبِنَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ فَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَقَاءُ مُشَبَّهًا بِالِابْتِدَاءِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً لِمُبَايَنَتِهِ لَهُ وَلَمْ يَأْتِ مُحَشِّي الْكِتَابِ الْوَانِيِّ بِأَزْيَدَ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ شَرْطًا لِبَقَاءِ) أَقُولُ هَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاقِلِ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَصَوَابُهُ شَرْطَ انْتِفَاءٍ وَأَوْضَحْتُهُ بِرِسَالَةٍ

(قَوْلُهُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي) جَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلَ الثَّانِي كَذَا بِخَطِّ الْمَرْحُومِ الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ يَقْضِي.
وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ أَوْفَقُ بِالنَّاسِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

الصفحة 411