كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

أَنْفُسِهِمَا فَتَبْطُلُ وَلَهُمَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا.

(سُفْلٌ ذُو عُلْوٍ وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ مُجَرَّدَانِ عَنْ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ قُوِّمَ كُلٌّ وَحْدَهُ وَقُسِمَ بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلْوُ كَالْبِئْرِ، وَالسِّرْدَابِ، وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَصَارَا كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ.

(أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ ادَّعَى الْغَلَطَ) فِي الْقِسْمَةِ وَزَعَمَ أَنَّ بَعْضًا مِمَّا أَصَابَهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ (لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَمُدَّعِي الْغَلَطِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الْفَسْخِ بَعْدَ لُزُومِ سَبَبِ ظُهُورِ الْعَقْدِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا لَزِمَهُمْ، وَإِنْ أَنْكَرُوا حَلَفُوا عَلَيْهِ لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ تَخَلَّصْ وَمَنْ نَكَلَ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِهِ وَنُصِبْ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا لِأَنَّ النَّاكِلَ كَالْمُقِرِّ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِلتَّنَاقُضِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاسِمَ أَمِينٌ وَهُوَ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ فَأَقَرَّ ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي فِعْلِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ.

(وَإِنْ قَالَ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (قَبَضْتُهُ) يَعْنِي نَصِيبَهُ (فَأَخَذَ شَرِيكِي بَعْضَهُ وَأَنْكَرَ) أَيْ شَرِيكُهُ (حَلَفَ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ (وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ) بِالِاسْتِيفَاءِ (أَصَابَنِي مِنْ كَذَا إلَى كَذَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ) أَيْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ كَمَا ذُكِرَ فِي أَحْكَامِ التَّحَالُفِ فِي الدَّعْوَى وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْغَبَنُ فَاحِشٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ.

(وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلًّا طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِنْ نَصِيبِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْعِبْرَةُ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ خَارِجٌ.

(إنْ اسْتَحَقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) اتِّفَاقًا.
(وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ) أَيْ الْقِسْمَةُ اتِّفَاقًا.
(وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لَا تُفْسَخُ لَكِنْ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ (بَلْ يَرْجِعُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ وَمَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْكَافِي.

(ظَهَرَ دَيْنٌ فِي التَّرِكَةِ الْمَقْسُومَةِ تُفْسَخُ) أَيْ الْقِسْمَةُ (إلَّا إذَا قَضَوْهُ) أَيْ الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ (أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ) ذِمَمَ الْوَرَثَةِ (أَوْ بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ يَعْنِي إذَا قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُحِيطٌ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ اقْضُوهُ فَإِنْ قَضَوْا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَإِلَّا فُسِخَتْ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُمْنَعُ وُقُوعُ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا إلَّا إذَا قَضَوْا الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ ذِمَمَهُمْ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهَا إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تُفْسَخُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ.

(وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ بِالْقَضَاءِ يَبْطُلُ) عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْمُسْتَصْفَى شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ سَوَاءٌ قَسَمَا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي السَّرَّاجُ وَسَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى الْقِسْمَةِ لَا غَيْرُ ابْتِدَاءً ثُمَّ قَالَا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْنُ قَسَمْنَا أَوْ شَهِدَا عَلَى قِسْمَةِ أَنْفُسِهِمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَبَّانِيِّينَ إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ حَاضِرًا حَالَ الْوَزْنِ، وَالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى

(قَوْلُهُ: سُفْلٌ ذُو عُلْوٍ. . . إلَخْ) هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي سُفْلٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلْوٍ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَرَادَا قِسْمَتَهُمَا يُقْسَمُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْعَرْصَةُ فَتُقْسَمُ بِالذَّرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعَيْنِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَيْتٌ تَامٌّ عُلْوٌ وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُحْسَبُ فِي الْقِسْمَةِ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلْوِ، وَالسُّفْلِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلْوِ أَرْبَاعًا عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَرْبَاعًا،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ، وَالْعُلْوِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ لِاسْتِوَاءِ السُّفْلِ، وَالْعُلْوِ عِنْدَهُ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَيْتٌ تَامٌّ سُفْلٌ وَعُلْوٌ، وَسُفْلٌ آخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحْسَبُ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ، وَالْعُلْوِ بِذِرَاعٍ وَنِصْفٍ مِنْ السُّفْلِ وَذِرَاعٌ مِنْ سُفْلِ الْبَيْتِ التَّامِّ بِذِرَاعٍ مِنْ الْآخَرِ وَذِرَاعٌ مِنْ عُلْوٍ بِنِصْفِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْآخَرِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذِرَاعٌ مِنْ التَّامِّ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ السُّفْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إقْرَارٌ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ. . . إلَخْ) سَيَذْكُرُهُ مَتْنًا وَيُفْسَخُ فِي الصَّحِيحِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي

الصفحة 425