كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

عَادَةً فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى أَصْلًا أَيْضًا (بِخِلَافِ غَسْلِ ثَوْبٍ أَوْصَى بِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا.

(الْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي، وَالْحَالِ فَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً.

(كَذَا كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا فَحَرَامٌ أَوْ رِبَا) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّ وَصْفَ الْحُرْمَةِ، وَالرِّبَوِيَّةِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَصْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرُّجُوعُ.

(وَ) قَوْلُهُ (كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا أَخَّرْتهَا بِخِلَافِ تَرَكْتُهَا) فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَالثَّانِيَ رُجُوعٌ لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ إسْقَاطٌ، وَالتَّأْخِيرُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ فَإِنَّ الدَّائِنَ إذَا قَالَ لِمَدْيُونِهِ: تَرَكْت لَك دَيْنَك كَانَ إبْرَاءً لَهُ وَلَوْ قَالَ: أَخَّرْت عَنْك لَا يَكُونُ إبْرَاءً كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(وَ) بِخِلَافِ كُلِّ (وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ) فَإِنَّهُ أَيْضًا رُجُوعٌ لِأَنَّ الْبَاطِلَ ذَاهِبٌ مُتَلَاشٍ لَا أَصْلَ لَهُ.

(أَوْ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَهُوَ لِعَمْرٍو أَوْ لِفُلَانٍ وَارِثِي) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَإِثْبَاتِ التَّخْصِيصِ لَهُ فَاقْتَضَى رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَجَازُوا، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُهَا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ مَيِّتًا وَقْتَهَا فَالْأُولَى) مِنْ الْوَصِيَّتَيْنِ (بِحَالِهَا) لِأَنَّ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِثْبَاتِ لِلثَّانِي فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ (وَلَوْ) كَانَ فُلَانٌ (حَيًّا) وَقْتَهَا (فَمَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي فَهِيَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ لِأَنَّ لَمَّا ثَبَتَ لِلثَّانِي كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَبَطَلَتْ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَصَحَّتْ فِي حَقِّ الثَّانِي ثُمَّ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ قَبْل مَوْتِ الْمُوصِي.

(تَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِمَنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ كَوْنَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَفَسَادِهَا يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْإِقْرَارِ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ لِجَوَازِهِ وَفَسَادِهِ فَإِذَا أَوْصَى الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا شَيْئًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَالْهِبَةُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّهَا إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ وَأَمَّا الْهِبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْجَزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْوَصَايَا لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ يَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ.

(بِخِلَافِ إقْرَارِهِ) فَإِنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ إقْرَارُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فِيهِ.

(وَ) تَبْطُلُ (وَصِيَّتُهُ وَهِبَتُهُ وَإِقْرَارُهُ لِابْنِهِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا إنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالْهِبَةُ فَلِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا حَالُ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ لَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ مُلْحَقًا بِالْوَصَايَا.

(الْمُقْعَدُ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْمَشْيِ لِدَاءٍ فِي رِجْلَيْهِ (وَالْمَفْلُوجِ) الْفَالِجُ دَاءٌ يَعْرِضُ لِنِصْفِ الْبَدَنِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ الْحِسِّ، وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ (، وَالْأَشَلِّ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ ارْتِعَاشٌ وَحَرَكَةٌ (، وَالْمَسْلُولُ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عِلَّةُ السُّلِّ وَهُوَ قُرْحٌ يَكُونُ فِي الرِّئَةِ (إنْ طَالَ مُدَّتُهُ سَنَةً كَالصَّحِيحِ وَإِلَّا فَكَالْمَرِيضِ)
يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ أَمْرَاضٌ مُزْمِنَةٌ فَمَنْ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ) هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ رُجُوعٌ

(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْمُحِيطِ) وَذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ، وَالْكَافِي

(قَوْلُهُ: فَهُوَ لِعَمْرٍو وَلِفُلَانٍ وَارِثِي) الْقَيْدُ بِالْوَارِثِ خَاصٌّ بِالْأَخِيرِ وَهُوَ فُلَانٌ فَقَطْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي فِي تَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ لِفُلَانٍ الْوَارِثِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا عَمْرٌو فَالْوَصِيَّةُ لَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إقْرَارِهِ) يَعْنِي لِلْمَرْأَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

(قَوْلُهُ: إنْ طَالَ مُدَّتُهُ سَنَةً كَالصَّحِيحِ وَإِلَّا فَكَالْمَرِيضِ) كَذَا فَسَّرَ الطُّولَ بِسَنَةٍ فِي الْخَانِيَّةِ وَقُيِّدَ هَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ فَقَالَ إذَا طَالَ بِهِ الْمَرَضُ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ، وَالشَّلَلِ إذَا كَانَ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ فَهَذَا لَا يَكُونُ حُكْمُ الْمَرِيضِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ فَمَا فَعَلَ فِي حَالَةِ التَّغَيُّرِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الصفحة 431