كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

فَصَارَتْ أَرْبَعَةً فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بِهَذِهِ السِّهَامِ.

(وَلَوْ لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ سُدُسٍ سَهْمًا (وَثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ النِّصْفِ) لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ وَلَوْ لَهُ بِالسُّدُسِ وَلِآخَرَ بِالثُّلُثِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عِنْدَهُمْ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ مُقَرَّرٍ بَيْنَهُمْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ.

(وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا يَجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ مِنْ مَالِهِ سَهْمًا أَيْ جَعَلَ وَمَفْعُولُ لَا يَضْرِبُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا يَضْرِبُ شَيْئًا.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الضَّرْبُ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْحِسَابِ فَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَالْكُلُّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفٌ يُضْرَبُ النِّصْفُ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَالنِّصْفُ فِي الثُّلُثِ يَكُونُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلِكُلِّ سُدُسِ الْمَالِ وَعِنْدَهُمَا سِهَامُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ، وَالْوَاحِدُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ رُبُعٌ فَيُضْرَبُ الرُّبُعُ فِي ثُلُثٍ يَكُونُ رُبُعَ الثُّلُثِ ثُمَّ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ فَيُضْرَبُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ فِي الثُّلُثِ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَيَضْرِبُ الْوَاحِدَةَ فِي الثُّلُثِ وَهُوَ الرُّبُعُ يَعْنِي رُبُعَ الثُّلُثِ.

(إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ) صُورَتُهَا عَبْدَانِ لِرَجُلٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ، وَالْآخَرُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُحَابَاةَ حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ لِكَوْنِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ. . . إلَخْ) فِي مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ خَفَاءٌ، وَالطَّرِيقَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ هَهُنَا وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ، وَوَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ فَيُؤْخَذُ ثُلُثُهَا لِلْوَصِيَّةِ فَجَعَلْنَاهُ أَثْلَاثًا، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ يَدَّعِي الْكُلَّ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَدَّعِي ثُلُثَهُ وَهُوَ سَهْمٌ فَتَعُولُ إلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْمَالَ أَرْبَاعًا عِنْدَهُمَا وَطَرِيقُهُ أَنْ تَقُولَ الْإِجَازَةُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالْوَاحِدُ عَلَيْهِمَا لَا يَسْتَقِيمُ فَيُضْرَبُ مَخْرَجُ النِّصْفِ فِي الثَّلَاثَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغْ سِتَّةً فَثُلُثُهَا بَيْنَهُمَا وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِيهَا وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي سَهْمًا وَاحِدًا لِيَتِمَّ لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فَيُسَلِّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَيَسْتَوِي مُنَازَعَتُهُمَا فِي السَّهْمِ الْبَاقِي فَيُنَصَّفُ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْوَاحِدُ عَلَى مَخْرَجِ النِّصْفِ فَضَرَبْنَا مَخْرَجَ النِّصْفِ فِي سِتَّةٍ فَحَصَلَ اثْنَا عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ فَضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ تِسْعَةً وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ فَضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ ثَلَاثَةً وَهِيَ رُبْعُ جَمِيعِ الْمَالِ انْتَهَى الْحُكْمُ عِنْدَهُمَا.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ، وَالثُّلُثِ يُقَسَّمُ الْمَالُ أَسْدَاسًا يُفْرَضُ الْمَالُ سِتَّةً وَلَا نِزَاعَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فِي أَرْبَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي سَهْمَيْنِ فَيُنَصَّفَانِ فَصَارَ لِصَاحِبِ الْكُلِّ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قُلْت فَاسْتَوَى لِصَاحِبِ الثُّلُثِ نَصِيبُهُ فِي حَالَتَيْ الرَّدِّ، وَالْإِجَازَةِ اهـ.
وَنَقَلَ مِثْلَ هَذَا الشَّيْخُ إمَامُ الْفَرْضَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ الشِّنْشَوْرِيُّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِلتَّرْتِيبِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ قَالَ عَنْ مُصَنِّفِ التَّرْتِيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ نَصِيبُ مُوصَى لَهُ فِي حَالَتَيْ الْإِجَازَةِ، وَالرَّدِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ) وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِاجْتِمَاعِ النِّصْفِ، وَالثُّلُثِ وَتَبَايُنِهِمَا فَيُؤْخَذُ ثُلُثُهَا اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَتَصِحُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ، وَالنِّصْفِ سِتَّةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا مِنْهَا خَمْسَةٌ وَثُلُثُ الْمَالِ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْخَمْسَةِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي سِهَامِ الْوَصِيَّةِ تَبْلُغْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَثُلُثُهَا خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِصَاحِبِ النِّصْفِ، وَاثْنَانِ مِنْهَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَالْعَشَرَةُ لِلْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ سُدُسٍ سَهْمًا) يَعْنِي كُلُّ سُدُسٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سَهْمًا مِنْ تَصْحِيحِهَا بَيَانُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ النِّصْفُ، وَالثُّلُثُ وَخَصَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ مِنْ الْحَاصِلِ اثْنَانِ وَهُمَا سُدُسَانِ بِنِسْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مُحَصَّلِ مَخْرَجِ النِّصْفِ، وَالثُّلُثِ أُعْطِيَ سَهْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ) أَيْ ضَرْبِ سِهَامِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ مِنْ مُحَصَّلِ ضَرْبِ مَخْرَجِ الثُّلُثِ، وَالنِّصْفِ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَفِي عِبَارَتِهِ تَفَنُّنٌ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالضَّرْبِ هُوَ مَعْنَى جَعْلِ كُلِّ سُدُسٍ سَهْمًا كَمَا بَيَّنَّاهُ

(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا يُجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ مِنْ مَالِهِ سَهْمًا) أَيْ جَعَلَ فِي التَّرْكِيبِ تَأَمَّلْ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرُ " ضَرَبَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ يُشَارِكُ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ يُجْعَلُ أَخْذًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ الَّتِي هِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي الرِّبْحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّفْسِيرُ بِجَعْلٍ فِي تَمَامِ الْكَلَامِ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ، وَيُقَالُ ضَرَبَ فِي الْجَزُورِ إذَا أَشْرَكَ فِيهَا وَفُلَانٌ يَضْرِبُ فِيهِ بِالثُّلُثِ أَيْ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا بِحُكْمِ مَالِهِ مِنْ الثُّلُثِ اهـ.
وَعَدَلَ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الْبُرْهَانِ حَيْثُ قَالَ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُفَضَّلُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ، وَالسِّعَايَةِ، وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ وَفَضَّلَاهُ أَيْ فَضَّلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَكْثَرِ مُطْلَقًا. اهـ.

الصفحة 433