كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

جَازَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ الْأَلْفُ، وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفٍ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ.

(وَالسِّعَايَةُ) صُورَتُهَا أَنْ يُوصَى بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي.

(وَالدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ) أَيْ الْمُطْلَقَةُ عَنْ كَوْنِهَا ثُلُثًا أَوْ نِصْفًا أَوْ نَحْوَهُمَا صُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفَيْنِ وَلِآخَرَ بِأَلْفٍ وَثُلُثِ مَالِهِ أَلْفٌ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَخْرُجُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ فَرْقِ الْإِمَامِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا كَانَتْ مَقْدِرَةً بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَرِيحًا كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ فِي الزَّائِدِ يَكُونُ ذِكْرُهُ لَغْوًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ مَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَاتَّفَقَ أَنَّ مَالَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ بَاطِلَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَوْقَ الْمِائَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً بِالْكُلِّيَّةِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الضَّرْبِ.

(وَلَوْ) أَوْصَى (بِنَصِيبِ ابْنِهِ بَطَلَ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا هُوَ حَقُّ الِابْنِ لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِ.

(وَلَوْ) أَوْصَى (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ (لَا) أَيْ لَا تَبْطُلُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ.

(وَ) لَوْ أَوْصَى (بِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ) أَيْ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِسَهْمٍ مِنْ مَالِي أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ (لَهُ بَيْنَ وَارِثِهِ) أَيْ يُقَالُ لِلْوَارِثِ أَعْطِ مَا شِئْت لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَارِثِ هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمَشَايِخُ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ أَنَّ السَّهْمَ كَالْجُزْءِ وَأَمَّا أَصْلُ الرِّوَايَةِ فَبِخِلَافِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْوِقَايَةِ.

(وَ) لَوْ أَوْصَى (بِسُدُسٍ مَالِهِ ثُمَّ بِثُلُثِهِ وَأُجِيزَ لَهُ ثُلُثُهُ) أَيْ يَكُونُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ إنْ كَانَ إخْبَارًا فَكَاذِبٌ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّدُسِ إخْبَارًا، وَفِي الثُّلُثِ إنْشَاءً فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ نَخْتَارُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَوْ كَانَ النِّصْفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ السُّدُسَ، وَالثُّلُثَ فِي كَلَامِهِ شَائِعٌ وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَكْثَرُ مُقَدَّمًا كَانَ أَوْ مُؤَخَّرًا وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَعْلِيلِهِ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُتَضَمِّنٌ لِلسُّدُسِ فَإِنَّ التَّضَمُّنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الشَّائِعِ وَضَمُّ السُّدُسِ الشَّائِعِ إلَى الثُّلُثِ الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةً فِي الْعَدَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفَائِدَةُ الْإِجَازَةِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا يَكُونُ مُتَنَاوَلَ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَكَانَ بِرًّا مُسْتَأْنَفًا لَا إجَازَةً وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْقُولِ إنَّ ضَمَّ الْكُلِّيِّ إلَى الْكُلِّيِّ لَا يُفِيدُ الْجُزْئِيَّةَ.

(وَفِي سُدُسِ مَالِي مُكَرَّرًا لَهُ سُدُسُهُ) يَعْنِي إذَا قَالَ: سُدُسُ مَالِي لَهُ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسُ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ سُدُسُ مَالِي لَهُ كَانَ لَهُ سُدُسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً.

(وَبِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ غَنَمِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ) لِقَائِلٍ أَنْ لَا يُسَلِّمَ ذَلِكَ إذْ الزِّيَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ مُتَضَمِّنًا لِلسُّدُسِ فَلَا يُمْنَعُ ضَمُّهُ إلَيْهِ فَتَحْصُلُ الزِّيَادَةُ وَلَا يُمْنَعُ الْمَنْعُ قَوْلُ الْعِنَايَةِ جَوَابًا عَمَّا أُورِدَ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ، لِقَوْلِهِ: وَإِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فَائِدَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأُولَى حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ اهـ.
وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ وَهُوَ الْوَارِثُ رَضِيَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُوصِي فَاتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ بِاجْتِمَاعِ الثُّلُثِ مَعَ السُّدُسِ وَامْتِنَاعِ مَا كَانَ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ لَحِقَ الْوَارِثِ فَبَعْدَ أَنْ رَضِيَ كَيْفَ يَتَكَلَّفُ لِلْمَنْعِ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت لِقَاضِي زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَحْثًا فِي جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَنَصُّهُ: أَقُولُ فِي قَوْلِهِ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ إنَّمَا هُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَأَمَّا إذَا أَجَازَتْ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ هَهُنَا فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَيْضًا وَيَتَمَلَّكُهُ الْمَجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا تَتِمُّ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَتَدَبَّرْ

الصفحة 434