كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

وَهَلَكَ ثُلُثَاهُ لَهُ مَا بَقِيَ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ ثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يُتْوَى مَا تَوَى مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً وَلَنَا أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمُوصِي جَعَلَ حَاجَتَهُ فِي هَذَا الْمَعِينِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ الْمُوصَى بِهِ فَكَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ كَالتَّبَعِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ كَالْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ فِي مَالٍ اشْتَمَلَ عَلَى أَصْلٍ وَتَبَعٍ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ الْهَالِكَ مِنْ التَّبَعِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ حَيْثُ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ ثُمَّ وَثُمَّ.

(وَ) لَوْ أَوْصَى (بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابِهِ مُخْتَلِفَةً أَوْ دُورِهِ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثُ مَا بَقِيَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا فَتَكُونُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ.

(وَ) لَوْ أَوْصَى بِأَلْفٍ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصِي (نَقْدٌ وَدَيْنٌ) عَلَى الْغَيْرِ مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ (هُوَ) أَيْ الْأَلْفُ الْمُوصَى بِهِ (نَقَدَ إنْ خَرَجَ) أَيْ الْأَلْفُ (مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ النَّقْدِ لِإِمْكَانِ إيفَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِلَا بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ (وَإِلَّا فَثُلُثُ النَّقْدِ وَثُلُثُ الْمَأْخُوذِ مِنْ الدَّيْنِ) يَعْنِي كُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ.

(وَ) لَوْ أَوْصَى (بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَبَكْرٍ الْمَيِّتِ كَانَ لِزَيْدٍ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عُلِمَ مَوْتُ بَكْرٍ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي مَوْتَهُ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ لِبَكْرٍ فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ مَوْتَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِبَكْرٍ لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِزَيْدٍ.

(كَذَا لَوْ) أَوْصَى (لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ) كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَسْتَحِقُّ مَالًا.

(أَوْ) أَوْصَى (لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (وَلِعَقِبِهِ) كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ لِأَنَّ الْعَقِبَ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ.

(أَوْ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (وَلِوَلَدِ بَكْرٍ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ لَهُ وَلِفُقَرَاءِ وَلَدِهِ أَوْ لِمَنْ افْتَقَرَ مِنْ وَلَدِهِ وَفَاتَ شَرْطُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَلَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِزَيْدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ.

(وَإِنْ قَالَ) ثُلُثُ مَالِي (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ زَيْدٍ وَبَكْرٍ (وَبَكْرٌ مَيِّتٌ فَنِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثِ (لِزَيْدٍ) لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ.

(أَوْصَى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِثُلُثِهِ وَهُوَ) أَيْ الْمُوصِي (فَقِيرٌ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثُ مَالِهِ) أَيْ الْمُوصِي (عِنْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلُ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ.

(وَلَوْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَ) أَيْ الْإِيصَاءُ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ.

(كَذَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ) فَإِنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ) ذَكَرَ وَصْفَ الثِّيَابِ بِالِاخْتِلَافِ دُونَ الرَّقِيقِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ

(قَوْلُهُ: وَبَكْرٍ الْمَيِّتِ) لَوْ قَالَ وَهُوَ مَيِّتٌ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الصِّفَةَ مِنْ كَلَامِ الْمُوصِي وَلْيَحْسُنْ قَوْلُهُ: سَوَاءٌ عَلِمَ مَوْتَ بَكْرٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: كَانَ لِزَيْدِ مُطْلَقًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ مَعْدُومًا مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا كَانَ خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ وَلَا يُسَلَّمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ لَهُمَا وَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَبُطْلَانُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ حَقِّ الْآخَرِ وَذَكَرَ مِثَالَهُ

(قَوْلُهُ: كَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ) هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَلِعَمْرٍو إنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَ الثُّلُثِ

(قَوْلُهُ: أَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ) لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُولَدْ الْعَقِبُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُشَارَكَةِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَهُمَا. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي وَيَعُودُ نَصِيبُهُ إلَى مِلْكِ الْمُوصِي وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْمُوصِي كَانَ نَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ) يَعْنِي وَلَمْ يَسْتَفِدْ غَنَمًا بَعْدَ هَذَا وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ بِمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ وَلَا مَلَكَهُ بَعْدَهُ بَطَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَهُ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَذَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي) أَضَافَ الشَّاةَ إذْ لَوْ لَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا يُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ

الصفحة 435