كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ.

(وَ) فِي قَوْلِهِ: أَوْصَيْت (بِشَاةٍ مِنْ مَالِي لَهُ قِيمَتُهَا مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: مِنْ مَالِي دَلَّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ.

(وَ) لَوْ أَوْصَى (بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ لَهُنَّ) أَيْ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ (ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ) مِنْ الثُّلُثِ (وَلَهُمَا) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ (الْبَاقِيَانِ) مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَخْمَاسِ بِالْمُنَاصَفَةِ هَذَا عِنْدَهُمَا،.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، وَتَبْطُلُ الْجَمْعِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] فَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ فَيُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةٍ وَلَهُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا.

(وَلَوْ) أَوْصَى (بِثَلَاثَةٍ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ نُصِفَ بَيْنَهُمَا) عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا.

(وَلَوْ) أَوْصَى (بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَمِائَةٍ لِبِكْرٍ أَوْ أَوْصَى بِهَا) أَيْ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَخَمْسِينَ لِبَكْرٍ (إنْ أَشْرَكَ آخَرُ مَعَهُمَا) أَيْ قَالَ لِآخَر: أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا (فَلَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْآخَرِ (ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ فِي الْأَوَّلِ) لِأَنَّ نَصِيبَ زَيْدٍ وَبَكْرٍ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَقَدْ أَشْرَكَ آخَرَ مَعَهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَهُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَهُوَ ثُلُثُ الْمِائَةِ (وَنِصْفٍ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الثَّانِي) لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ لَفْظِ الِاشْتِرَاكِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

(وَفِي لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ صُدِّقَ عَلَى الثُّلُثِ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمَرِيضُ مُخَاطِبًا لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ فِيمَا قَالَ صُدِّقَ فُلَانٌ إلَى الثُّلُثِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ إقْرَارٌ بِالْمَجْهُولِ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَدْ فَاتَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى مَالٍ بِمَا أَوْصَى وَهُوَ يَمْلِكُ هَذَا التَّسْلِيطَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ بِأَنْ يُوصِيَهُ لَهُ ابْتِدَاءً فَيَصِحُّ تَسْلِيطُهُ أَيْضًا بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِدَيْنٍ مَجْهُولٍ، وَالْمَرْءُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ الْحَقِّ وَلَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَيُجْعَلُ وَصِيَّةً فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَجُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ فِي الثُّلُثِ لَا الزِّيَادَةِ (فَإِنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلُ بِلَا رُجُوعٍ عَنْهُ (عُزِلَ) أَيْ الثُّلُثُ (لَهُمَا) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْمُوصَى لَهُ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ الثُّلُثَانِ (لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحَمُ الْمَعْلُومُ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ (فَيُقَالُ) أَيْ بَعْدَ مَا عُزِلَ يُقَال (لِكُلٍّ) مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةِ (صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فِي جَوَابِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنْكِرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ ثُمَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ اللَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَمْلُوكِهِ بِالْمَالِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ عِتْقًا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِإِضَافَتِهَا إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ لَا حَالَّ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي

(قَوْلُهُ: نُصِفَ بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا) يَعْنِي بَيْنَ زَيْدٍ، وَالْمَسَاكِينِ وَيَجُوزُ صَرْفُ مَا لِلْمَسَاكِينِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا يَعْنِي ثُلُثُهُ لِزَيْدٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مَا لِلْمَسَاكِينِ لِأَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَى مَسَاكِينَ إذَا لَوْ أَشَارَ إلَى جَمَاعَةٍ، وَقَالَ ثُلُثُ مَالِي لِهَذِهِ الْمَسَاكِينِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى وَاحِدٍ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلْخَ فَأَعْطَى غَيْرَهُمْ جَازَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْأَفْضَلُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ مِثْلُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ ثُلُثُ الْمِائَةِ) صَوَابُهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ بِتَثْنِيَةِ الثُّلُثِ أَوْ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ بِتَثْنِيَةِ الْمِائَةِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي) أَيْ لُزُومُ تَصْدِيقِ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ (قَوْلُهُ: عُزِلَ أَيْ الثُّلُثُ لَهُمَا أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَالْمُوصَى لَهُ) لَعَلَّ صَوَابَهُ عَزَلَ أَيْ الثُّلُثَ لَهُ أَوْ لِلْمُوصَى لَهُ أَوْ لَهَا أَيْ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا عَزَلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ صَارَ الْمُقَرُّ لَهُ شَرِيكًا فَكَيْفَ يُقَالُ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَأَيْضًا لَا يُطَابِقُهُ التَّعْلِيلُ لِلْعَزْلِ خُصُوصًا قَوْلَهُ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُقَالَ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ عِبَارَةُ جَمِيعِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِنَا اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيُقَالُ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ) اسْتَشْكَلَ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا مُحَصِّلُهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَهُنَا إذَا اسْتَغْرَقَتْ الْوَصِيَّةُ الثُّلُثَ وَقِيلَ بَعْدَ إفْرَازِهِ لِلْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ إيجَابُ التَّصْدِيقِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخُصُّهُمْ وَهُوَ الثُّلُثَانِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ اهـ.
، وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ أَقُولُ هَذَا الْإِشْكَالُ سَاقِطٌ جِدًّا إذْ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ إلَى الثُّلُثِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ

الصفحة 436