كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

الثُّلُثِ فَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا) لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَفِي الْعَزْلِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ، وَالْآخَرُ أَلَدُّ وَأَلَجُّ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَإِذَا عَزَلْنَا قُلْنَا عَلِمْنَا أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي كُلِّ التَّرِكَةِ فَأُمِرَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةُ بِبَيَانِهِ (وَإِذَا بَيَّنُوا) شَيْئًا (يُؤْخَذُ أَصْحَابُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ، وَالْبَاقِي لَهُمْ وَيُؤْخَذُ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ) لِيَنْفُذَ إقْرَارُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ (وَيَحْلِفُ كُلٌّ) أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ (عَلَى الْعِلْمِ فِي دَعْوَى الزِّيَادَةِ) أَيْ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.

(وَفِي بِأَلْفٍ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ لَهُ نِصْفُهُ وَخَابَ الْوَارِثُ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِهِ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي.

(وَفِي الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ الْكُلُّ لِلْحَيِّ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ، وَالْوَارِثِ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ لَكِنَّهُ حَرُمَ لِعَارِضٍ.

(وَبِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِكُلٍّ لِرَجُلٍ إنْ ضَاعَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيٌّ هُوَ، وَالْوَرَثَةُ تَقُولُ لِكُلٍّ تَوَى حَقُّك بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ أَثْوَابٌ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ فَأَوْصَى بِكُلِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ وَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَا يُدْرَى أَيَّهَا هُوَ، وَالْوَرَثَةُ تَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ ضَاعَ فَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ (وَإِنْ سَلَّمُوا الْبَاقِيَيْنِ) زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْجُحُودُ وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ (أَخَذَ ذُو الْجَيِّدِ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَذُو الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ وَذُو الْوَسَطِ ثُلُثَيْ كُلٍّ) مِنْ الْجَيِّدِ، وَالرَّدِيءِ لِأَنَّ الثَّوْبَيْنِ إنَّمَا يُقْسَمَانِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الثَّوْبِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ صَاحِبِ الْجَيِّدِ فِي الْجَيِّدِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَيِّدَ الْأَصْلِيَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَجْوَدُ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلْ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ صَاحِبُ الرَّدِيءِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَرْدَأَ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْآخَرِ فِي ثُلُثِ كُلٍّ مِنْ الثَّوْبَيْنِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَمَّا أَخَذَ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْكَافِي.

(وَبِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ تُقْسَمُ فَإِنْ أَصَابَ) أَيْ الْبَيْتَ الْمُعَيَّنَ (الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ (فَلَهُ قَدْرُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِبَيْتٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ، وَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ عِنْدَهُمَا،.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ الْبَيْتِ فِيمَا أَصَابَ الْمُوصِي عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ (كَمَا فِي الْإِقْرَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ لَهُمْ وَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِيمَا شَاءُوا فَإِنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا الْمُسْتَغْرِقَةَ لِلثُّلُثِ لَا يَأْخُذُونَهُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ التَّامِّ بَلْ بِطَرِيقِ الْعَزْلِ، وَالْإِفْرَازِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِيهِ بِتَصْدِيقِهِمْ الْمُدَّعِي فِيمَا شَاءُوا وَلَا يَضُرُّ بِذَلِكَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَئِنْ سُلِّمَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ الْمَخْصُوصِ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ حَتَّى مِنْ جِهَةِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي أَيْضًا فَيَكْفِي جَوَازُ التَّصَرُّفِ لَهُمْ فِي مُطْلَقِ الثُّلُثِ الشَّائِعِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَعَنْ هَذَا قَالُوا إنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ، وَالْوَصِيَّةَ فَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ وَلَا يَخُصُّ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ تَأَمَّلْ تَرْشَدْ اهـ.
قُلْت لَيْسَ فِيهِ تَوْجِيهٌ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ سُقُوطِ إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا دَافِعَ لِمَا أَقَرُّوا بِهِ وَلَا مُبْطِلَ لِمَا أَوْصَى بِهِ فَلَزِمَ انْتِقَاضُ الثُّلُثَيْنِ بِهَذَا وَلَزِمَ التَّصْدِيقُ مَعَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اجْتِمَاعُ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ اخْتَصُّوا بِالثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ التَّصْدِيقُ بِمَا يَنْقُصُهُمَا وَقَدْ اجْتَمَعْنَا هُنَا فَلَزِمَ ضَرُورَةً تَصْدِيقُهُمْ، وَالِانْتِقَاصُ بِهِ فَلَمْ يَخْتَصُّوا بِثُلُثَيْ جَمِيعِ الْمَالِ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِمَا

(قَوْلُهُ: وَفِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ الْكُلُّ لِلْحَيِّ) مُسْتَدْرَكٌ وَإِعَادَتُهُ لِذِكْرِ الْفَرْقِ شَرْحًا لَيْسَ مُسَوِّغًا لِلتَّكْرَارِ

(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) لَا مَحَلَّ لِلَفْظَةِ " مِثْلُهُ " (قَوْلُهُ: فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتُهُ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ حَقُّهُ أَوْلَى) عِبَارَةُ الْكَافِي مِنْ مَحَلٍّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي) عُلِمَتْ عِبَارَتُهُ وَتَمَامُهَا وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الضَّائِعُ أَجْوَدَ فَيَكُونُ هَذَا وَسَطًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ الضَّائِعُ أَرْدَأَ فَيَكُونَ هَذَا وَسَطًا فَكَانَ هَذَا تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ كَذَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ) ذَكَرَ فِي الْكَافِي، وَالتَّبْيِينِ كَيْفِيَّةَ قِسْمَتِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِقْرَارِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ تَمَلَّكَهُ بَعْدَهُ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ ثُمَّ مَاتَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا تُنَفَّذُ

الصفحة 437