كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالْجَمْعُ، وَالْكَافِرُ، وَالْمُسْلِمُ وَاخْتَلَفَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِ أَقْصَى الْأَبِ.

وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (لِعَمَّيْهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّيْنٍ وَخَالَانِ فَالْمُوصَى بِهِ لِعَمَّيْهِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِأَنَّ اسْمَ الْقَرِيبِ يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبِيَّةَ.

(وَفِي عَمٍّ وَخَالَيْنِ نِصْفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) أَيْ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ لِلْعَمِّ وَنِصْفُهُ لِلْخَالَيْنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فَيُضَمُّ إلَى الْعَمِّ الْخَالَانِ لِيَصِيرَ جَمْعًا فَيَأْخُذُ هُوَ النِّصْفَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَيَأْخُذَانِ النِّصْفَ لِعَدَمِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْعَمِّ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيُحْرِزُ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ (وَفِي عَمٍّ لَهُ نِصْفٌ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَأَخْذُ النِّصْفِ.

(وَفِي عَمٍّ وَعَمَّةٍ اسْتَوَيَا) لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِمَا فَاسْتَحَقُّوا.

(وَجِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْجَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْجَارَ الْمُلَاصِقَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» أَيْ بِقُرْبِهِ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْمُلَازِقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا هُوَ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةُ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ مَحَلَّتِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى جِيرَانًا عُرْفًا.

(وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَخْرَجَ كُلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالْوَاحِدُ، وَالْجَمْعُ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَمْعِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَمَّا لَوْ قَالَ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْأَقْرَبَ اسْمُ فَرْدٍ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ بِصَرِيحِ شَرْطِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْحَقَائِقِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ) لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ، وَالْأَوْلَى مَا قَالَ فِي الْكَافِي لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا اهـ.
فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَةٌ

(قَوْلُهُ: وَجِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) وَيَسْتَوِي السَّاكِنُ، وَالْمَالِكُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبِيدُ، وَالْإِمَاءُ، وَالْمُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهُمْ لَا جِوَارَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ فِي السُّكْنَى، وَالْمُكَاتَبُ يَدْخُلُ كَذَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَالْمُحِيطِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ.
وَفِي الْهِدَايَةِ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ لِإِطْلَاقِهِ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَفِي التَّبْيِينِ وَتَدْخُلُ الْأَرْمَلَةُ لِأَنَّ سُكْنَاهَا يُضَافُ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَبِي عُبَيْدٍ اهـ.
وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ قَالَ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ اهـ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْرَازِيُّ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْ ابْنِ الْحَسَنِ حُجَّةُ اللُّغَةِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ قَالَ الْخَلِيلُ: لَا يُقَالُ لِأَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ إلَّا الْأَصْهَارُ وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ نَظَمَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي نَظْمِهِ لِكِتَابِ الزِّيَادَاتِ بَيْتَيْنِ يَشْتَمِلَانِ عَلَى مَعْنَى الصِّهْرِ، وَالْخَتْنِ فَقَالَ
أَصْهَارُ مَنْ يُوصِي أَقَارِبَ حُرْمَتِهِ ... وَيَزُولُ ذَاكَ بِبَائِنٍ وَحَرَامِ
أَخْتَانُهُ أَزْوَاجُ كُلُّ مَحَارِمٍ ... وَمَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ بِالْأَرْحَامِ
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ: فَأَمَّا الصِّهْرُ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْخَتْنِ لَكِنَّ الْغَالِبَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ حَاتِمُ بْنُ عَدِيٍّ: وَلَوْ كُنْت صِهْرًا لِابْنِ مَرْوَانَ قُرِّبَتْ رِكَابِي إلَى الْمَعْرُوفِ، وَالظَّعْنِ الرَّحْبِ وَلَكِنَّنِي صِهْرٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَخَالُ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَالْخَالُ كَالْأَبِ سَمَّى نَفْسَهُ صِهْرًا وَكَانَ أَخَا امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا بَائِنٌ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنَّ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّتِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ وَفِي عِدَّةِ مِنْهُ، وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ وَتَكُونُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَامْرَأَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلُّ أَصْهَارٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ» ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَوْلُهُ: صَفِيَّةُ ثُمَّ صَوَابُهُ جُوَيْرِيَةُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الْعَتَاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَنْ نَفْسِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً مَلَّاحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابَتِهَا فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ رَأَيْتهَا فَكَرِهْت مَكَانَهَا وَعَرَفْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْت فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْك، وَإِنِّي وَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ شَمَّاسٍ وَإِنَّنِي كَاتَبْت عَلَى نَفْسِي فَجِئْت

الصفحة 441