كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

مَنْ مُلِكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

(وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَات (وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِ هَؤُلَاءِ) قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ أَزْوَاجَ الْمَحَارِمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَشْمَلُ الْكُلَّ.

(وَأَهْلُهُ امْرَأَتُهُ) لِأَنَّهَا الْمُرَادُ بِهِ لُغَةً وَعُرْفًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ} [النمل: 7] أَيْ لِامْرَأَتِهِ يُقَالُ تَأَهَّلَ أَيْ تَزَوَّجَ وَعِنْدَهُمَا مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَنَفَقَتِهِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ.

(وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ (وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الْأَبَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَكَذَا الْجَدُّ.

(وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ.

(وَأَهْلُ بَيْتِهَا وَجِنْسُهَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَتْ امْرَأَةٌ لِأَهْلِ بَيْتِهَا أَوْ لِجِنْسِهَا (لَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَهَا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا) كَذَا فِي الْكَافِي.

(وَوَلَدُ زَيْدٍ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى) لِوُجُودِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ فِيهِمَا (وَفِي وَرَثَتِهِ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَيَيْنِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَهِيَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ.

(وَأَيْتَامُ بَنِي فُلَانٍ وَعُمْيَانُهُمْ وَزَمْنَاهُمْ وَأَرَامِلُهُمْ يَتَنَاوَلُ فَقِيرَهُمْ وَغَنِيَّهُمْ وَذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ إنْ أُحْصُوا) إذَا أَمْكَنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْأَلُك فِي كِتَابَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَهَلْ لَك إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ قَالَ: أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَدْ فَعَلْت قَالَ فَتَسَامَعَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ يَعْنِي مِنْ السَّبْيِ فَأَعْتَقُوهُمْ وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ فَمَا رَأَيْت امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ» اهـ. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَفِيهِ وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ رَأْسُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسَيِّدُهُمْ وَكَانَتْ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بُرَّةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُوَيْرِيَةَ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَرَّةُ وَيُقَالُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَيُقَالُ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا اهـ.
(قُلْت) وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَالْبَزَّارِ وَابْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ ثُمَّ قَسَّمَ بَيْنَ النَّاسِ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا فَوَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي قَسْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ إلَى أَنْ قَالَتْ فَدَخَلَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ أَصَابَنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت فَوَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَكَاتَبَنِي عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي رَجَوْتُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك - فَأَعِنِّي فِي فِكَاكِي فَقَالَ أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مَا هُوَ قَالَ: أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوَّجُك قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَعَلْت فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا وَتَزَوَّجَهَا فَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ فَقَالُوا أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْتَرَقُّونَ فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَتْ فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا» اهـ. (قُلْت) لَكِنْ جَزَمَ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ صَفِيَّةُ وَهْمٌ وَصَوَابُهُ جُوَيْرِيَةُ يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ «أَعْتَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيث ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ وَقَعَ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ لَكِنْ أَعَلَّهَا ابْنُ حَزْمٍ بِيَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا كَمَا جُزِمَ بِتَضْعِيفِهِ اهـ.
وَتُغْتَنَمُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ وَتُغْتَفَرُ إطَالَتُهَا (قَوْلُهُ: أُخْرِجَ كُلُّ مَنْ مُلِكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا) قَدْ عَلِمْت بِمَا سَبَقَ أَنَّ السَّبْيَ كَانَ قَدْ قُسِمَ فَالْمُخْرَجُ الصَّحَابَةُ إكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ الصِّهْرَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ تَأَمَّلْ لِمَا قَدْ عَلِمْت مِنْ الْقِصَّةِ

(قَوْلُهُ: وَأَهْلُهُ امْرَأَتُهُ) أُجِيبَ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ وَالْوَارِثَ غَيْرُ دَاخِلٍ

(قَوْلُهُ: وَوَلَدُ زَيْدٍ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ وَلَدٌ صُلْبٌ فَالْوَصِيَّةُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لَهُ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ شَيْءٌ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَجَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ وَلَدٌ لِصُلْبٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ كَانَ الثُّلُثُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَلَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لِصُلْبِهِ وَاحِدٌ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِلَّذِي لِصُلْبِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ

الصفحة 442