كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 2)

لِآخَرَ بِمَبْلَغِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْآخَرَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِوَصِيَّةٍ أَلْفٍ) هَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُثْبَتَةً حَتَّى الشَّرِكَةَ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً (أَوْ) شَهَادَةُ (الْأَوَّلِينَ بِعَبْدٍ، وَالْآخَرِينَ بِثُلُثِ مَالِهِ) حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ شَرِكَةً فِي الْمَشْهُودِ بِهِ.

(أَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي كَأَقْوَى الْوَصِيِّينَ (وَهُوَ وَصِيُّ الْأُمِّ، وَالْأَخِ، وَالْعَمِّ فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ وَهُوَ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَأَقْوَى الْوَصِيِّينَ وَهُوَ وَصِيُّ الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْقَاضِي فِي أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ وَهُوَ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْمُوصِي فَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مِقْدَارِ تَصَرُّفِ مُوصِيهِ فَوَصِيُّ الْأُمِّ حَالَ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ (لِلْأَضْعَفِ) كَوَصِيِّ الْأُمِّ مَثَلًا (بَيْعُ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَقْوَى) لِلضَّرُورَةِ (وَلَا يَشْتَرِي) أَيْ الْأَضْعَفُ (إلَّا مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ وَلَا يَتَصَرَّفُ مُطْلَقًا فِيمَا اسْتَفَادَ الصَّغِيرُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ تَصَرُّفَهُ عَلَى مِقْدَارِ تَصَرُّفِ مُوصِيهِ.

(وَصِيُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ) لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ فَكَذَا مُخْتَارُهُ وَلِأَنَّ اخْتِيَارَهُ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْفَعُ لِابْنِهِ مِنْ تَصَرُّفِ أَبِيهِ، وَهُوَ الْجَدُّ (وَإِنْ لَمْ يُوصِ) أَيْ لَمْ يَنْصِبْ وَصِيًّا (فَالْجَدُّ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَبِ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ.

وَهَاهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ نَقَلْنَاهَا مِنْ الْخَانِيَّةِ مِنْهَا رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَةً فَبَلَغَهُمْ أَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَعْلَمُونَ مَا أَوْصَى بِهِ فَقَالُوا قَدْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَجَازُوا بَعْدَ الْعِلْمِ،.
وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَأَشْهَدَ الْيَتِيمُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ جَمِيعَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَلَمْ تَبْقَ لَهُ تَرِكَةُ وَالِدِهِ عِنْدَهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إلَّا وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ، وَقَالَ هُوَ مِنْ تَرِكَةِ أَبِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ وَقَدْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ مَا تَرَكَ، وَالِدُهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ) ذُكِرَتْ هُنَا لِمُنَاسِبَتِهَا لِبَابِ الْوَصِيِّ وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كِتَابَ الْفَرَائِضِ، وَالْخُنْثَى وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِمَّا أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَلْحَقَهُ بِكَلَامِهِ (قَوْلُهُ: فَبَلَغَهُمْ أَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَعْلَمُونَ) أَقُولُ يَعْنِي لَا يَعْلَمُونَ مِقْدَارَهَا وَلَا وَصْفَهَا (قَوْلُهُ: فَقَالُوا قَدْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ) يَعْنِي عَلَى الْعُمُومِ الَّذِي لَمْ يُبَيَّنْ مِقْدَارُهُ وَلَا ذَاتُهُ (قَوْلُهُ: ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَقُولُ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُمْ بِالْإِجَازَةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَجَازُوا بَعْدَ الْعِلْمِ) أَقُولُ الْمُرَادُ نَفْيُ اللُّزُومِ كَمَا عَلِمْت فِيمَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي الثُّلُثِ بِدُونِ الْإِجَازَةِ مِنْهُمْ وَيَتَوَقَّفُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ رِضَا بِالزَّائِدِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ يَقِينًا فَلَهُمْ إبْطَالُ الزَّائِدِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِنَحْرِ بَقَرَةٍ لِزَيْدٍ فَقَبِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ الْوَصِيَّةَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهَا وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَهَا بِالْقَبُولِ فَلَزِمَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْبَقَرَةِ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهَا، وَالتَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقُرْبَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِالشَّخْصِ بَلْ بِالْجِنْسِ، وَدَفْعُ الْقِيمَةِ صَدَقَةً وَقُرْبَةً كَدَفْعِ الْعَيْنِ فَإِجَازَتُهُمْ الْوَصِيَّةَ بِهَا لِلْفُقَرَاءِ لَا يَلْزَمُهُمْ دَفْعُ عَيْنِهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُسْتَحَقِّ عَيْنًا فَجَازَ دَفْعُ قِيمَتِهَا لِلْفُقَرَاءِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى أَنَّ إجَازَتَهُمْ مَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فِي حَالِ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِمْ لَا تُعْتَبَرُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَلِّ لِهَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَصِحَّة دَعْوَاهُ بِهِ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ تَرِكَةِ، وَالِدِهِ. . . إلَخْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءُ الْمَعْلُومِ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا اشْتِبَاهٌ لِصَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَجَعَلَهَا غَيْرَ مَانِعَةٍ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْدَ صُدُورِهَا عَامَّةً فِيمَا بَيْنَهُمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَظَنَّ أَنَّهَا تُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ، وَسَاقَ مَسَائِلَ أُخَرَ ظَنَّهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَقَدْ حَرَّرْت الْحُكْمَ فِيهَا وَبَيَّنْت أَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَا ظَنَّهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ شَيْءٌ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الدَّعْوَى بِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَأَوْضَحْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَنْقِيحُ الْأَحْكَامِ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَالْإِبْرَاءِ الْعَامِّ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى. . . إلَخْ) كَذَلِكَ الْحُكْمُ فَلَا يَمْنَعُ هَذَا الْإِقْرَارُ دَعْوَى الْوَارِثِ بِدَيْنٍ لِمُوَرَّثِهِ عَلَى خَصْمٍ لَهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ إبْرَائِهِ شَخْصًا مُعَيَّنًا أَوْ قَبِيلَةً مُعَيَّنَةً وَهُمْ يُحْصُونَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ لِكُلِّ مَنْ يَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَبِهِ يُفْتَى وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَقَوْلِ زَيْدٍ لِعَمْرِو حَالِلْنِي مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَك عَلَيَّ فَفَعَلَ بَرِئَ مِمَّا عَلِمَ وَمِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

الصفحة 451