كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقد أصلح فِي رِوَايَة بن شَبُّوَيْهِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْهَمْدَانِيِّ كَانَ إِذَا أَذَّنَ بَدَلَ اعْتَكَفَ وَهِيَ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ الْمُصَوَّبَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ صَنِيعَهُ ذَلِكَ كَانَ مُخْتَصًّا بِحَالِ اعْتِكَافِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ إِصْلَاحِهِ وَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَوجه بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْنَى اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ أَيْ لَازَمَ ارْتِقَابَهُ وَنَظَرَهُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ لِيُؤَذِّنَ عِنْدَ أَوَّلِ إِدْرَاكِهِ قَالُوا وَأَصْلُ الْعُكُوفِ لُزُومُ الْإِقَامَةِ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّيهِمَا إِلَّا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَذِّنِ لِمَا يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا وَالْحَقُّ أَنَّ لَفْظَ اعْتَكَفَ مُحَرَّفٌ مِنْ لَفْظِ سَكَتَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ قَوْلُهُ وَبَدَا الصُّبْحُ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ ظَهَرَ وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَصَحَّحَ أَنَّهُ بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ وَالْهَمْزَةِ بَعْدَ الْمَدِّ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلصُّبْحِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَاعْتَكَفَ لِنِدَاءِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنَ الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَبَعْدَ الدَّالِ أَلِفٌ مَقْصُورَةٌ وَالْوَاوُ فِيهِ وَاوُ الْحَالِ لَا وَاوُ الْعَطْفِ وَبِذَلِكَ تَتِمُّ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[619] قَوْلُهُ عَن يحيى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ قَوْلُهُ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَبْعَدُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ لِأَنَّ قَوْلَهَا بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا محصله أَنَّهَا عنت بِالرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَهُمَا لَا يُصَلَّيَانِ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِذَا صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْأَذَانِ اسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ وَقَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ انْتَهَى وَهُوَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ غَيْرُ سَالِمٍ مِنَ الِانْتِقَادِ وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِيمَاءِ إِلَى بَعْضِ مَا وَرَدَ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا أَوْرَدَهُ بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَفْظُهُ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ

[620] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ هَذَا إِسْنَادٌ آخَرُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ وَاعْتَرَضَ بن التَّيْمِيِّ فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْجَمَة لجعله غَايَة الْأكل ابْتِدَاء أَذَان بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَذَانَهُ كَانَ يَقَعُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ الزَّيْنُ بن الْمُنِير الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث بن عُمَرَ أَوْجَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يُنَادي بن أُمِّ مَكْتُومٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنَادِي حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُنَادِي قَبْلَهُ لَكَانَ كبلال يُنَادي بلَيْل تَنْبِيه قَالَ بن مَنْدَهْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَرَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْهُ عَلَى الشَّكِّ أَنَّ بِلَالًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور أَو أَن بن أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ قَالَ وَلِشُعْبَةَ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمَّتِهِ أُنَيْسَةَ فَذَكَرَهُ عَلَى الشَّكِّ أَيْضًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْهُ جَازِمًا بِالْأَوَّلِ وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْهُ جَازِمًا بِالثَّانِي وَكَذَا أَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذر وبن حِبَّانَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن وَادّعى بن عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُ مَقْلُوبٌ وَأَن الصَّوَاب

الصفحة 102