كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الصِّيَامِ فَيَتَسَحَّرُ وَيُوقِظُ النَّائِمَ لِيَتَأَهَّبَ لَهَا بِالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَتَمَسَّكَ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيث بن مَسْعُودٍ هَذَا لِمَذْهَبِهِ فَقَالَ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ كَانَ لِمَا ذُكِرَ لَا لِلصَّلَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا لِلصَّلَاةِ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ فِيمَا ذُكِرَ فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِ الْأَذَانِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ إِعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ وَالْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَيْسَ إِعْلَامًا بِالْوَقْتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِعْلَامَ بِالْوَقْتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِعْلَامًا بِأَنَّهُ دَخَلَ أَوْ قَارَبَ أَنْ يَدْخُلَ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتِ الصُّبْحُ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا مُرَغَّبٌ فِيهِ وَالصُّبْحُ يَأْتِي غَالِبًا عَقِبَ نَوْمٍ فَنَاسَبَ أَنْ يُنَصَّبَ مَنْ يُوقِظُ النَّاسَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِيَتَأَهَّبُوا وَيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ فِيهِ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ أَيْ يَظْهَرُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا أَيْ أَشَارَ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِإِصْبَعَيْهِ وَرَفَعَهُمَا قَوْلُهُ إِلَى فَوْقُ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ وَكَذَا أَسْفَلُ لِنِيَّةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ دُونَ لَفْظِهِ نَحْوُ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بعد قَوْلُهُ وَقَالَ زُهَيْرٌ أَيِ الرَّاوِي وَهِيَ أَيْضًا بِمَعْنَى أَشَارَ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ثُمَّ فَرَّقَهُمَا لِيَحْكِيَ صِفَةَ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِأَنَّهُ يَطْلُعُ مُعْتَرِضًا ثُمَّ يَعُمُّ الْأُفُقَ ذَاهِبًا يَمِينًا وَشِمَالًا بِخِلَافِ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ فِي أَعْلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَنْخَفِضُ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ رَفَعَ وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ سُلَيْمَانَ فَإِنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ هَكَذَا وَلَا هَكَذَا وَلَكِنَّ الْفَجْرَ هَكَذَا فَكَأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ مَقْرُونًا بِالْإِشَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُرَادِ وَبِهَذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الرُّوَاةِ وَأَخْصَرُ مَا وَقَعَ فِيهَا رِوَايَةُ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ الْفَجْرَ الْمُعْتَرِضَ وَلَكِنِ الْمُسْتَطِيلَ

[622] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبا وَتردد فِيهِ الجياني وَهُوَ عِنْدِي بن إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهْوَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنَا فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ قَطُّ حَدَّثَنَا بِخِلَافِ إِسْحَاقَ بن مَنْصُورٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ وَأَمَّا مَا وَقَعَ بِخَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ أَنَّهُ الْوَاسِطِيُّ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ بن شَاهِينَ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ شَيْءٌ لِأَنَّ أَبَا أُسَامَةَ كُوفِي وَلَيْسَ فِي شُيُوخ بن شَاهِينَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَوْلُهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا فَاعِلُ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ قَائِلُ حَدَّثَنَا فَالتَّقْدِيرُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَوْلُهُ عَنْ نَافِعٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْن الأول ذكر لَهُ فِيهِ اسنادين نَافِع عَن بن عُمَرَ وَالْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَمَّا الثَّانِي فَاقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى الْإِسْنَادِ الثَّانِي قَوْلُهُ حَتَّى يُؤَذِّنَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى يُنَادِيَ وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الصِّيَامِ بِلَفْظِ يُؤَذِّنَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ الْقَاسِمُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلُ ذَا وَفِي هَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْقَاسِمَ تَابِعِيٌّ فَلَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَتْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَصْعَدَ هَذَا وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ فِيِ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْقَاسِمُ أَيْ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَة بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَفِيهَا نَظَرٌ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْمُدْرَجِ وَثَبَتَتِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أُنَيْسَةَ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ وَقْتُ السُّحُورِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ فِي الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَحَكَى تَصْحِيحَهُ عَنِ

الصفحة 105