كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُعَلَّقَةَ مُعَارِضَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَوْصُولَةِ بَلْ هِيَ مُبَيِّنَةٌ لَهَا وَنَفْيُ الْكَثِيرِ يَقْتَضِي إِثْبَاتُ الْقَلِيلِ وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَوْصُولَةً مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ وَكَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَرِيبٌ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ عَن شُعْبَة نَحوه وَقَالَ بن الْمُنِيرِ يُجْمَعُ بَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ بِحَمْلِ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ مَجَازًا وَالْإِثْبَاتُ لِلْقَلِيلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَحَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ دَلَّ قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ عَلَى أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ بَيْنَهُمَا بَلْ كَانُوا يَشْرَعُونَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ وَيَفْرُغُونَ مَعَ فَرَاغِهِ قَالَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ إِلَّا الْمَغْرِبَ اه وَفِي قَوْلِهِ وَيَفْرُغُونَ مَعَ فَرَاغِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ شُرُوعِهِمْ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ ذَلِكَ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَيَّانَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ فَشَاذَّةٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا عِنْدَ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَكَانَ بُرَيْدَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مَحْفُوظًا لَمْ يُخَالِفْ بُرَيْدَةُ رِوَايَتَهُ وَقَدْ نقل بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ كَذَّبَ حيانا الْمَذْكُورَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ كَانَ أَمْرًا أَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ وَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى كَانُوا يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَكَأَنَّ أَصْلَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّهِمَا فَلَا يَنْفِي الِاسْتِحْبَابَ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ الرَّوَاتِبِ وَإِلَى اسْتِحْبَابِهِمَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وروى عَن بن عُمَرَ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُصَلِّيهِمَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَادَّعَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ نَسْخَهُمَا فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حَيْثُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَبَيَّنَ لَهُمْ بِذَلِكَ وَقْتَ الْجَوَازِ ثُمَّ نَدَبَ إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَوِ اسْتَمَرَّتِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى مُخَالَفَةِ إِدْرَاكِ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَالْمَنْقُولُ عَنِ بن عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْهُ وَرِوَايَةُ أَنَسٍ الْمُثْبِتَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفْيِهِ وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْهُمْ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ وَلَا الْكَرَاهَةِ وَسَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ سُئِلَ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُهُمَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ فَمَا يَمْنَعُكَ الْآنَ قَالَ الشُّغْلُ فَلَعَلَّ غَيْرَهُ أَيْضًا مَنَعَهُ الشُّغْلُ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ قَوِيَّةٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ بَعْدَهُمْ فَمَرْدُودٌ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ أَخْرَجَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ مُتعَدِّدَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبِي لَيْلَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَيَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ وَالْأَعْرَجِ وَعَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه سُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ حَسَنَتَيْنِ وَاللَّهِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ بِهِمَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ بِاسْتِحْبَابِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُ من قَالَ

الصفحة 108