كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

إِنَّ فِعْلَهُمَا يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا خَيَالٌ فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَزَمَنُهُمَا زَمَنٌ يَسِيرٌ لَا تَتَأَخَّرُ بِهِ الصَّلَاةُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قُلْتُ وَمَجْمُوعُ الْأَدِلَّةِ يُرْشِدُ إِلَى اسْتِحْبَابِ تَخْفِيفِهِمَا كَمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي النَّدْبِ إِلَيْهِمَا رَجَاءُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ وَكُلَّمَا كَانَ الْوَقْتُ أَشْرَفَ كَانَ ثَوَابُ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَكْثَرَ وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاضِحٍ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا مُطَابَقَةُ حَدِيثِ أَنَسٍ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ إِذَا كَانُوا يَبْتَدِرُونَ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَعَ قِصَرِ وَقْتِهَا فَالْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّنَفُّلِ قَبْلَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ تَقَعُ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَلَا يَتَقَيَّدُ بِرَكْعَتَيْنِ إِلَّا مَا ضَاهَى الْمَغْرِبَ فِي قِصَرِ الْوَقْتِ كَالصُّبْحِ الثَّانِي لَمْ تَتَّصِلْ لَنَا رِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ إِلَى الْآنَ وَزَعَمَ مُغْلَطَايْ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ وَصَلَهَا فِي مُسْتَخْرَجِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ إِنَّمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ لَمْ تَتَّصِلْ لَنَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَقِيلَ هُوَ الْحَفَرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا مَقْصُودُ رِوَايَتِهِمَا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بن عمر وَأبي عَامر وَللَّه الْحَمد

(قَوْلُهُ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ)
مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنَ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ وَأَوْرَدَهَا مَوْرِدَ الِاحْتِمَالِ تَنْبِيهًا عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ مَنْدُوبٌ إِلَى إِحْرَازِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَارِكَ الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ يُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الَّذِي وَرَدَ مِنَ الْحَضِّ عَلَى الِاسْتِبَاقِ إِلَى الْمَسْجِدِ هُوَ لِمَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَسْمَعُ الْإِقَامَةَ مِنْ دَارِهِ فَانْتِظَارُهُ لِلصَّلَاةِ إِذَا كَانَ مُتَهَيِّئًا لَهَا كَانْتِظَارِهِ إِيَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَفِي مَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ ثُمَّ لَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[626] قَوْلُهُ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ أَيْ فَرَغَ مِنَ الْأَذَانِ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ هَذَا فِي الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَحَكَى بن التِّينِ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ صَبَّ الْأَذَانَ وَأَفْرَغَهُ فِي الْآذَانِ وَمِنْهُ أَفْرَغَ فِي أُذُنِي كَلَامًا حَسَنَا اه وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ إِنَّ سُوَيْد بن نصر راويها عَن بن الْمُبَارَكِ عَنْهُ ضَبَطَهَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَأَفْرَطَ الصَّغَانِيُّ فِي الْعُبَابِ فَجَزَمَ أَنَّهَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَكَذَا ضَبَطَهَا فِي نُسْخَتِهِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ قَابَلَهَا عَلَى نُسْخَةِ الْفَرَبْرِيِّ وَأَنَّ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهَا بِالْمُثَنَّاةِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا تَصْحِيف وَلَيْسَ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ بِالْأُولَى أَيْ عَنِ الْأُولَى وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِسَكَتَ يُقَالُ سَكَتَ عَنْ كَذَا إِذَا تَرَكَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأُولَى الْأَذَانُ الَّذِي يُؤَذَّنُ بِهِ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ أَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْإِقَامَةِ وَثَانٍ بِاعْتِبَارِ الْأَذَانِ الَّذِي قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَاءَهُ التَّأْنِيثُ إِمَّا مِنْ قِبَلِ مُؤَاخَاتِهِ لِلْإِقَامَةِ أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُنَادَاةَ أَوِ الدَّعْوَةَ التَّامَّةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوَنَ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ إِذَا سَكَتَ عَنِ الْمرة الأولى

الصفحة 109