كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
(قَوْلُهُ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ)
أَشَارَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِلَى أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ يُنَافِي التَّرْجَمَةَ الَّتِي قَبْلَهَا ثُمَّ أَطَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَيَكْفِي مِنْهُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ وَاجِبًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ذَا فَضِيلَةٍ وَلَكِنَّ الْفَضَائِلَ تَتَفَاوَتُ فَالْمُرَادُ مِنْهَا بَيَانُ زِيَادَةِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ قَوْلُهُ وَكَانَ الْأسود أَي بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ أَحَدُ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَهُ لَمَا تَرَكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْمُبَادَرَةَ إِلَى خَلَاصِ الذِّمَّةِ وَتَوَجَّهَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ كَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ بن الْمُنِيرِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ الْإِشَارَةَ بِأَثَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنَسٍ إِلَى أَنَّ الْفَضْلَ الْوَارِدَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ جَمَعَ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَنْ جَمَعَ فِي بَيْتِهِ مَثَلًا كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ التَّجْمِيعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِالْمَسْجِدِ لَجَمَّعَ الْأَسْوَدُ فِي مَكَانِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ وَلَمَا جَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ وَجَاءَ أَنَسٌ وَصَلَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ مَرَّ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي مَسْجِدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِيهِ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْجَعْدِ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيِّ عَنِ الْجَعْدِ نَحْوُهُ وَقَالَ مَسْجِدُ بَنِي رِفَاعَةَ وَقَالَ فَجَاءَ أَنَسٌ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ فِتْيَانِهِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ إِرَادَةِ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ
[645] قَوْلُهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِالْمُعْجَمَةِ أَيِ الْمُنْفَرِدِ يُقَالُ فَذَّ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا بَقِيَ مُنْفَرِدًا
الصفحة 131